عبارات مورد جستجو در ۱ گوهر پیدا شد:
نهج البلاغه : خطبه ها
خطبه قاصعه
و من خطبة له عليهالسلام تسمى القاصعة و هي تتضمن ذم إبليس لعنه الله على استكباره و تركه السجود لآدم عليهالسلام و أنه أول من أظهر العصبية و تبع الحمية و تحذير الناس من سلوك طريقته
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي لَبِسَ اَلْعِزَّ وَ اَلْكِبْرِيَاءَ وَ اِخْتَارَهُمَا لِنَفْسِهِ دُونَ خَلْقِهِ وَ جَعَلَهُمَا حِمًى وَ حَرَماً عَلَى غَيْرِهِ وَ اِصْطَفَاهُمَا لِجَلاَلِهِ رأس العصيان وَ جَعَلَ اَللَّعْنَةَ عَلَى مَنْ نَازَعَهُ فِيهِمَا مِنْ عِبَادِهِ
ثُمَّ اِخْتَبَرَ بِذَلِكَ مَلاَئِكَتَهُ اَلْمُقَرَّبِينَ لِيَمِيزَ اَلْمُتَوَاضِعِينَ مِنْهُمْ مِنَ اَلْمُسْتَكْبِرِينَ
فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَ هُوَ اَلْعَالِمُ بِمُضْمَرَاتِ اَلْقُلُوبِ وَ مَحْجُوبَاتِ اَلْغُيُوبِ إِنِّي خٰالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذٰا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سٰاجِدِينَ فَسَجَدَ اَلْمَلاٰئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاّٰ إِبْلِيسَ
اِعْتَرَضَتْهُ اَلْحَمِيَّةُ فَافْتَخَرَ عَلَى آدَمَ بِخَلْقِهِ وَ تَعَصَّبَ عَلَيْهِ لِأَصْلِهِ فَعَدُوُّ اَللَّهِ إِمَامُ اَلْمُتَعَصِّبِينَ وَ سَلَفُ اَلْمُسْتَكْبِرِينَ اَلَّذِي وَضَعَ أَسَاسَ اَلْعَصَبِيَّةِ وَ نَازَعَ اَللَّهَ رِدَاءَ اَلْجَبْرِيَّةِ وَ اِدَّرَعَ لِبَاسَ اَلتَّعَزُّزِ وَ خَلَعَ قِنَاعَ اَلتَّذَلُّلِ
أَ لاَ تَرَوْنَ كَيْفَ صَغَّرَهُ اَللَّهُ بِتَكَبُّرِهِ وَ وَضَعَهُ بِتَرَفُّعِهِ فَجَعَلَهُ فِي اَلدُّنْيَا مَدْحُوراً وَ أَعَدَّ لَهُ فِي اَلْآخِرَةِ سَعِيراً
ابتلاء اللّه لخلقه وَ لَوْ أَرَادَ اَللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ مِنْ نُورٍ يَخْطَفُ اَلْأَبْصَارَ ضِيَاؤُهُ وَ يَبْهَرُ اَلْعُقُولَ رُوَاؤُهُ وَ طِيبٍ يَأْخُذُ اَلْأَنْفَاسَ عَرْفُهُ لَفَعَلَ
وَ لَوْ فَعَلَ لَظَلَّتْ لَهُ اَلْأَعْنَاقُ خَاضِعَةً وَ لَخَفَّتِ اَلْبَلْوَى فِيهِ عَلَى اَلْمَلاَئِكَةِ وَ لَكِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ يَبْتَلِي خَلْقَهُ بِبَعْضِ مَا يَجْهَلُونَ أَصْلَهُ تَمْيِيزاً بِالاِخْتِبَارِ لَهُمْ وَ نَفْياً لِلاِسْتِكْبَارِ عَنْهُمْ وَ إِبْعَاداً لِلْخُيَلاَءِ مِنْهُمْ
طلب العبرة فَاعْتَبِرُوا بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اَللَّهِ بِإِبْلِيسَ إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَهُ اَلطَّوِيلَ وَ جَهْدَهُ اَلْجَهِيدَ وَ كَانَ قَدْ عَبَدَ اَللَّهَ سِتَّةَ آلاَفِ سَنَةٍ لاَ يُدْرَى أَ مِنْ سِنِي اَلدُّنْيَا أَمْ مِنْ سِنِي اَلْآخِرَةِ عَنْ كِبْرِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ
فَمَنْ ذَا بَعْدَ إِبْلِيسَ يَسْلَمُ عَلَى اَللَّهِ بِمِثْلِ مَعْصِيَتِهِ كَلاَّ مَا كَانَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ لِيُدْخِلَ اَلْجَنَّةَ بَشَراً بِأَمْرٍ أَخْرَجَ بِهِ مِنْهَا مَلَكاً
إِنَّ حُكْمَهُ فِي أَهْلِ اَلسَّمَاءِ وَ أَهْلِ اَلْأَرْضِ لَوَاحِدٌ وَ مَا بَيْنَ اَللَّهِ وَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ هَوَادَةٌ فِي إِبَاحَةِ حِمًى حَرَّمَهُ عَلَى اَلْعَالَمِينَ
التحذير من الشيطان فَاحْذَرُوا عِبَادَ اَللَّهِ عَدُوَّ اَللَّهِ أَنْ يُعْدِيَكُمْ بِدَائِهِ وَ أَنْ يَسْتَفِزَّكُمْ بِنِدَائِهِ وَ أَنْ يُجْلِبَ عَلَيْكُمْ بِخَيْلِهِ وَ رَجِلِهِ
فَلَعَمْرِي لَقَدْ فَوَّقَ لَكُمْ سَهْمَ اَلْوَعِيدِ وَ أَغْرَقَ إِلَيْكُمْ بِالنَّزْعِ اَلشَّدِيدِ وَ رَمَاكُمْ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ فَقَالَ رَبِّ بِمٰا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ قَذْفاً بِغَيْبٍ بَعِيدٍ وَ رَجْماً بِظَنٍّ غَيْرِ مُصِيبٍ
صَدَّقَهُ بِهِ أَبْنَاءُ اَلْحَمِيَّةِ وَ إِخْوَانُ اَلْعَصَبِيَّةِ وَ فُرْسَانُ اَلْكِبْرِ وَ اَلْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى إِذَا اِنْقَادَتْ لَهُ اَلْجَامِحَةُ مِنْكُمْ وَ اِسْتَحْكَمَتِ اَلطَّمَاعِيَّةُ مِنْهُ فِيكُمْ فَنَجَمَتِ اَلْحَالُ مِنَ اَلسِّرِّ اَلْخَفِيِّ إِلَى اَلْأَمْرِ اَلْجَلِيِّ
اِسْتَفْحَلَ سُلْطَانُهُ عَلَيْكُمْ وَ دَلَفَ بِجُنُودِهِ نَحْوَكُمْ فَأَقْحَمُوكُمْ وَلَجَاتِ اَلذُّلِّ وَ أَحَلُّوكُمْ وَرَطَاتِ اَلْقَتْلِ
وَ أَوْطَؤُوكُمْ إِثْخَانَ اَلْجِرَاحَةِ طَعْناً فِي عُيُونِكُمْ وَ حَزّاً فِي حُلُوقِكُمْ وَ دَقّاً لِمَنَاخِرِكُمْ وَ قَصْداً لِمَقَاتِلِكُمْ وَ سَوْقاً بِخَزَائِمِ اَلْقَهْرِ إِلَى اَلنَّارِ اَلْمُعَدَّةِ لَكُمْ
فَأَصْبَحَ أَعْظَمَ فِي دِينِكُمْ حَرْجاً وَ أَوْرَى فِي دُنْيَاكُمْ قَدْحاً مِنَ اَلَّذِينَ أَصْبَحْتُمْ لَهُمْ مُنَاصِبِينَ وَ عَلَيْهِمْ مُتَأَلِّبِينَ
فَاجْعَلُوا عَلَيْهِ حَدَّكُمْ وَ لَهُ جِدَّكُمْ فَلَعَمْرُ اَللَّهِ لَقَدْ فَخَرَ عَلَى أَصْلِكُمْ وَ وَقَعَ فِي حَسَبِكُمْ وَ دَفَعَ فِي نَسَبِكُمْ وَ أَجْلَبَ بِخَيْلِهِ عَلَيْكُمْ وَ قَصَدَ بِرَجِلِهِ سَبِيلَكُمْ يَقْتَنِصُونَكُمْ بِكُلِّ مَكَانٍ وَ يَضْرِبُونَ مِنْكُمْ كُلَّ بَنَانٍ
لاَ تَمْتَنِعُونَ بِحِيلَةٍ وَ لاَ تَدْفَعُونَ بِعَزِيمَةٍ فِي حَوْمَةِ ذُلٍّ وَ حَلْقَةِ ضِيقٍ وَ عَرْصَةِ مَوْتٍ وَ جَوْلَةِ بَلاَءٍ
فَأَطْفِئُوا مَا كَمَنَ فِي قُلُوبِكُمْ مِنْ نِيرَانِ اَلْعَصَبِيَّةِ وَ أَحْقَادِ اَلْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّمَا تِلْكَ اَلْحَمِيَّةُ تَكُونُ فِي اَلْمُسْلِمِ مِنْ خَطَرَاتِ اَلشَّيْطَانِ وَ نَخَوَاتِهِ وَ نَزَغَاتِهِ وَ نَفَثَاتِهِ
وَ اِعْتَمِدُوا وَضْعَ اَلتَّذَلُّلِ عَلَى رُءُوسِكُمْ وَ إِلْقَاءَ اَلتَّعَزُّزِ تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ وَ خَلْعَ اَلتَّكَبُّرِ مِنْ أَعْنَاقِكُمْ وَ اِتَّخِذُوا اَلتَّوَاضُعَ مَسْلَحَةً بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ عَدُوِّكُمْ إِبْلِيسَ وَ جُنُودِهِ فَإِنَّ لَهُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ جُنُوداً وَ أَعْوَاناً وَ رَجِلاً وَ فُرْسَاناً
وَ لاَ تَكُونُوا كَالْمُتَكَبِّرِ عَلَى اِبْنِ أُمِّهِ مِنْ غَيْرِ مَا فَضْلٍ جَعَلَهُ اَللَّهُ فِيهِ سِوَى مَا أَلْحَقَتِ اَلْعَظَمَةُ بِنَفْسِهِ مِنْ عَدَاوَةِ اَلْحَسَدِ وَ قَدَحَتِ اَلْحَمِيَّةُ فِي قَلْبِهِ مِنْ نَارِ اَلْغَضَبِ
وَ نَفَخَ اَلشَّيْطَانُ فِي أَنْفِهِ مِنْ رِيحِ اَلْكِبْرِ اَلَّذِي أَعْقَبَهُ اَللَّهُ بِهِ اَلنَّدَامَةَ وَ أَلْزَمَهُ آثَامَ اَلْقَاتِلِينَ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ
التحذير من الكبر أَلاَ وَ قَدْ أَمْعَنْتُمْ فِي اَلْبَغْيِ وَ أَفْسَدْتُمْ فِي اَلْأَرْضِ مُصَارَحَةً لِلَّهِ بِالْمُنَاصَبَةِ وَ مُبَارَزَةً لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْمُحَارَبَةِ
فَاللَّهَ اَللَّهَ فِي كِبْرِ اَلْحَمِيَّةِ وَ فَخْرِ اَلْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مَلاَقِحُ اَلشَّنَئَانِ وَ مَنَافِخُ اَلشَّيْطَانِ اَلَّتِي خَدَعَ بِهَا اَلْأُمَمَ اَلْمَاضِيَةَ وَ اَلْقُرُونَ اَلْخَالِيَةَ حَتَّى أَعْنَقُوا فِي حَنَادِسِ جَهَالَتِهِ وَ مَهَاوِي ضَلاَلَتِهِ
ذُلُلاً عَنْ سِيَاقِهِ سُلُساً فِي قِيَادِهِ أَمْراً تَشَابَهَتِ اَلْقُلُوبُ فِيهِ وَ تَتَابَعَتِ اَلْقُرُونُ عَلَيْهِ وَ كِبْراً تَضَايَقَتِ اَلصُّدُورُ بِهِ
التحذير من طاعة الكبراء أَلاَ فَالْحَذَرَ اَلْحَذَرَ مِنْ طَاعَةِ سَادَاتِكُمْ وَ كُبَرَائِكُمْ اَلَّذِينَ تَكَبَّرُوا عَنْ حَسَبِهِمْ وَ تَرَفَّعُوا فَوْقَ نَسَبِهِمْ وَ أَلْقَوُا اَلْهَجِينَةَ عَلَى رَبِّهِمْ وَ جَاحَدُوا اَللَّهَ عَلَى مَا صَنَعَ بِهِمْ مُكَابَرَةً لِقَضَائِهِ وَ مُغَالَبَةً لِآلاَئِهِ
فَإِنَّهُمْ قَوَاعِدُ أَسَاسِ اَلْعَصَبِيَّةِ وَ دَعَائِمُ أَرْكَانِ اَلْفِتْنَةِ وَ سُيُوفُ اِعْتِزَاءِ اَلْجَاهِلِيَّةِ
فَاتَّقُوا اَللَّهَ وَ لاَ تَكُونُوا لِنِعَمِهِ عَلَيْكُمْ أَضْدَاداً وَ لاَ لِفَضْلِهِ عِنْدَكُمْ حُسَّاداً وَ لاَ تُطِيعُوا اَلْأَدْعِيَاءَ اَلَّذِينَ شَرِبْتُمْ بِصَفْوِكُمْ كَدَرَهُمْ وَ خَلَطْتُمْ بِصِحَّتِكُمْ مَرَضَهُمْ وَ أَدْخَلْتُمْ فِي حَقِّكُمْ بَاطِلَهُمْ
وَ هُمْ أَسَاسُ اَلْفُسُوقِ وَ أَحْلاَسُ اَلْعُقُوقِ اِتَّخَذَهُمْ إِبْلِيسُ مَطَايَا ضَلاَلٍ وَ جُنْداً بِهِمْ يَصُولُ عَلَى اَلنَّاسِ وَ تَرَاجِمَةً يَنْطِقُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ
اِسْتِرَاقاً لِعُقُولِكُمْ وَ دُخُولاً فِي عُيُونِكُمْ وَ نَفْثاً فِي أَسْمَاعِكُمْ فَجَعَلَكُمْ مَرْمَى نَبْلِهِ وَ مَوْطِئَ قَدَمِهِ وَ مَأْخَذَ يَدِهِ
العبرة بالماضين فَاعْتَبِرُوا بِمَا أَصَابَ اَلْأُمَمَ اَلْمُسْتَكْبِرِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ بَأْسِ اَللَّهِ وَ صَوْلاَتِهِ وَ وَقَائِعِهِ وَ مَثُلاَتِهِ وَ اِتَّعِظُوا بِمَثَاوِي خُدُودِهِمْ وَ مَصَارِعِ جُنُوبِهِمْ
وَ اِسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ لَوَاقِحِ اَلْكِبْرِ كَمَا تَسْتَعِيذُونَهُ مِنْ طَوَارِقِ اَلدَّهْرِ
فَلَوْ رَخَّصَ اَللَّهُ فِي اَلْكِبْرِ لِأَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ لَرَخَّصَ فِيهِ لِخَاصَّةِ أَنْبِيَائِهِ وَ أَوْلِيَائِهِ وَ لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ كَرَّهَ إِلَيْهِمُ اَلتَّكَابُرَ وَ رَضِيَ لَهُمُ اَلتَّوَاضُعَ
فَأَلْصَقُوا بِالْأَرْضِ خُدُودَهُمْ وَ عَفَّرُوا فِي اَلتُّرَابِ وُجُوهَهُمْ وَ خَفَضُوا أَجْنِحَتَهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ كَانُوا قَوْماً مُسْتَضْعَفِينَ قَدِ اِخْتَبَرَهُمُ اَللَّهُ بِالْمَخْمَصَةِ وَ اِبْتَلاَهُمْ بِالْمَجْهَدَةِ وَ اِمْتَحَنَهُمْ بِالْمَخَاوِفِ وَ مَخَضَهُمْ بِالْمَكَارِهِ
فَلاَ تَعْتَبِرُوا اَلرِّضَى وَ اَلسُّخْطَ بِالْمَالِ وَ اَلْوَلَدِ جَهْلاً بِمَوَاقِعِ اَلْفِتْنَةِ وَ اَلاِخْتِبَارِ فِي مَوْضِعِ اَلْغِنَى وَ اَلاِقْتِدَارِ
فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى أَ يَحْسَبُونَ أَنَّمٰا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مٰالٍ وَ بَنِينَ نُسٰارِعُ لَهُمْ فِي اَلْخَيْرٰاتِ بَلْ لاٰ يَشْعُرُونَ
فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ اَلْمُسْتَكْبِرِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ بِأَوْلِيَائِهِ اَلْمُسْتَضْعَفِينَ فِي أَعْيُنِهِمْ
تواضع الأنبياء وَ لَقَدْ دَخَلَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ وَ مَعَهُ أَخُوهُ هَارُونُ عليهماالسلام عَلَى فِرْعَوْنَ وَ عَلَيْهِمَا مَدَارِعُ اَلصُّوفِ وَ بِأَيْدِيهِمَا اَلْعِصِيُّ فَشَرَطَا لَهُ إِنْ أَسْلَمَ بَقَاءَ مُلْكِهِ وَ دَوَامَ عِزِّهِ
فَقَالَ أَ لاَ تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَيْنِ يَشْرِطَانِ لِي دَوَامَ اَلْعِزِّ وَ بَقَاءَ اَلْمُلْكِ وَ هُمَا بِمَا تَرَوْنَ مِنْ حَالِ اَلْفَقْرِ وَ اَلذُّلِّ فَهَلاَّ أُلْقِيَ عَلَيْهِمَا أَسَاوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ إِعْظَاماً لِلذَّهَبِ وَ جَمْعِهِ وَ اِحْتِقَاراً لِلصُّوفِ وَ لُبْسِهِ وَ لَوْ أَرَادَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ لِأَنْبِيَائِهِ حَيْثُ بَعَثَهُمْ أَنْ يَفْتَحَ لَهُمْ كُنُوزَ اَلذِّهْبَانِ وَ مَعَادِنَ اَلْعِقْيَانِ وَ مَغَارِسَ اَلْجِنَانِ وَ أَنْ يَحْشُرَ مَعَهُمْ طُيُورَ اَلسَّمَاءِ وَ وُحُوشَ اَلْأَرَضِينَ لَفَعَلَ
وَ لَوْ فَعَلَ لَسَقَطَ اَلْبَلاَءُ وَ بَطَلَ اَلْجَزَاءُ وَ اِضْمَحَلَّتِ اَلْأَنْبَاءُ وَ لَمَا وَجَبَ لِلْقَابِلِينَ أُجُورُ اَلْمُبْتَلِينَ وَ لاَ اِسْتَحَقَّ اَلْمُؤْمِنُونَ ثَوَابَ اَلْمُحْسِنِينَ وَ لاَ لَزِمَتِ اَلْأَسْمَاءُ مَعَانِيَهَا
وَ لَكِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ رُسُلَهُ أُولِي قُوَّةٍ فِي عَزَائِمِهِمْ وَ ضَعَفَةً فِيمَا تَرَى اَلْأَعْيُنُ مِنْ حَالاَتِهِمْ مَعَ قَنَاعَةٍ تَمْلَأُ اَلْقُلُوبَ وَ اَلْعُيُونَ غِنًى وَ خَصَاصَةٍ تَمْلَأُ اَلْأَبْصَارَ وَ اَلْأَسْمَاعَ أَذًى
وَ لَوْ كَانَتِ اَلْأَنْبِيَاءُ أَهْلَ قُوَّةٍ لاَ تُرَامُ وَ عِزَّةٍ لاَ تُضَامُ وَ مُلْكٍ تُمَدُّ نَحْوَهُ أَعْنَاقُ اَلرِّجَالِ وَ تُشَدُّ إِلَيْهِ عُقَدُ اَلرِّحَالِ لَكَانَ ذَلِكَ أَهْوَنَ عَلَى اَلْخَلْقِ فِي اَلاِعْتِبَارِ وَ أَبْعَدَ لَهُمْ فِي اَلاِسْتِكْبَارِ
وَ لَآمَنُوا عَنْ رَهْبَةٍ قَاهِرَةٍ لَهُمْ أَوْ رَغْبَةٍ مَائِلَةٍ بِهِمْ فَكَانَتِ اَلنِّيَّاتُ مُشْتَرَكَةً وَ اَلْحَسَنَاتُ مُقْتَسَمَةً
وَ لَكِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ اَلاِتِّبَاعُ لِرُسُلِهِ وَ اَلتَّصْدِيقُ بِكُتُبِهِ وَ اَلْخُشُوعُ لِوَجْهِهِ وَ اَلاِسْتِكَانَةُ لِأَمْرِهِ وَ اَلاِسْتِسْلاَمُ لِطَاعَتِهِ أُمُوراً لَهُ خَاصَّةً لاَ تَشُوبُهَا مِنْ غَيْرِهَا شَائِبَةٌ
وَ كُلَّمَا كَانَتِ اَلْبَلْوَى وَ اَلاِخْتِبَارُ أَعْظَمَ كَانَتِ اَلْمَثُوبَةُ وَ اَلْجَزَاءُ أَجْزَلَ
الكعبة المقدسة أَ لاَ تَرَوْنَ أَنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ اِخْتَبَرَ اَلْأَوَّلِينَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ صلواتاللهعليه إِلَى اَلْآخِرِينَ مِنْ هَذَا اَلْعَالَمِ بِأَحْجَارٍ لاَ تَضُرُّ وَ لاَ تَنْفَعُ وَ لاَ تُبْصِرُ وَ لاَ تَسْمَعُ فَجَعَلَهَا بَيْتَهُ اَلْحَرَامَ اَلَّذِي جَعَلَهُ لِلنَّاسِ قِيَاماً
ثُمَّ وَضَعَهُ بِأَوْعَرِ بِقَاعِ اَلْأَرْضِ حَجَراً وَ أَقَلِّ نَتَائِقِ اَلدُّنْيَا مَدَراً وَ أَضْيَقِ بُطُونِ اَلْأَوْدِيَةِ قُطْراً بَيْنَ جِبَالٍ خَشِنَةٍ وَ رِمَالٍ دَمِثَةٍ وَ عُيُونٍ وَشِلَةٍ وَ قُرًى مُنْقَطِعَةٍ لاَ يَزْكُو بِهَا خُفٌّ وَ لاَ حَافِرٌ وَ لاَ ظِلْفٌ
ثُمَّ أَمَرَ آدَمَ عليهالسلام وَ وَلَدَهُ أَنْ يَثْنُوا أَعْطَافَهُمْ نَحْوَهُ فَصَارَ مَثَابَةً لِمُنْتَجَعِ أَسْفَارِهِمْ وَ غَايَةً لِمُلْقَى رِحَالِهِمْ تَهْوِي إِلَيْهِ ثِمَارُ اَلْأَفْئِدَةِ
مِنْ مَفَاوِزِ قِفَارٍ سَحِيقَةٍ وَ مَهَاوِي فِجَاجٍ عَمِيقَةٍ وَ جَزَائِرِ بِحَارٍ مُنْقَطِعَةٍ حَتَّى يَهُزُّوا مَنَاكِبَهُمْ ذُلُلاً يُهَلِّلُونَ لِلَّهِ حَوْلَهُ وَ يَرْمُلُونَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ شُعْثاً غُبْراً لَهُ
قَدْ نَبَذُوا اَلسَّرَابِيلَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَ شَوَّهُوا بِإِعْفَاءِ اَلشُّعُورِ مَحَاسِنَ خَلْقِهِمُ اِبْتِلاَءً عَظِيماً وَ اِمْتِحَاناً شَدِيداً وَ اِخْتِبَاراً مُبِيناً وَ تَمْحِيصاً بَلِيغاً جَعَلَهُ اَللَّهُ سَبَباً لِرَحْمَتِهِ وَ وُصْلَةً إِلَى جَنَّتِهِ
وَ لَوْ أَرَادَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَضَعَ بَيْتَهُ اَلْحَرَامَ وَ مَشَاعِرَهُ اَلْعِظَامَ بَيْنَ جَنَّاتٍ وَ أَنْهَارٍ وَ سَهْلٍ وَ قَرَارٍ جَمَّ اَلْأَشْجَارِ دَانِيَ اَلثِّمَارِ مُلْتَفَّ اَلْبُنَى مُتَّصِلَ اَلْقُرَى
بَيْنَ بُرَّةٍ سَمْرَاءَ وَ رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ وَ أَرْيَافٍ مُحْدِقَةٍ وَ عِرَاصٍ مُغْدِقَةٍ وَ رِيَاضٍ نَاضِرَةٍ وَ طُرُقٍ عَامِرَةٍ لَكَانَ قَدْ صَغُرَ قَدْرُ اَلْجَزَاءِ عَلَى حَسَبِ ضَعْفِ اَلْبَلاَءِ
وَ لَوْ كَانَ اَلْإِسَاسُ اَلْمَحْمُولُ عَلَيْهَا وَ اَلْأَحْجَارُ اَلْمَرْفُوعُ بِهَا بَيْنَ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ وَ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ وَ نُورٍ وَ ضِيَاءٍ لَخَفَّفَ ذَلِكَ مُصَارَعَةَ اَلشَّكِّ فِي اَلصُّدُورِ وَ لَوَضَعَ مُجَاهَدَةَ إِبْلِيسَ عَنِ اَلْقُلُوبِ وَ لَنَفَى مُعْتَلَجَ اَلرَّيْبِ مِنَ اَلنَّاسِ
وَ لَكِنَّ اَللَّهَ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ بِأَنْوَاعِ اَلشَّدَائِدِ وَ يَتَعَبَّدُهُمْ بِأَنْوَاعِ اَلْمَجَاهِدِ وَ يَبْتَلِيهِمْ بِضُرُوبِ اَلْمَكَارِهِ إِخْرَاجاً لِلتَّكَبُّرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَ إِسْكَاناً لِلتَّذَلُّلِ فِي نُفُوسِهِمْ وَ لِيَجْعَلَ ذَلِكَ أَبْوَاباً فُتُحاً إِلَى فَضْلِهِ وَ أَسْبَاباً ذُلُلاً لِعَفْوِهِ
عود إلى التحذير فَاللَّهَ اَللَّهَ فِي عَاجِلِ اَلْبَغْيِ وَ آجِلِ وَخَامَةِ اَلظُّلْمِ وَ سُوءِ عَاقِبَةِ اَلْكِبْرِ فَإِنَّهَا مَصْيَدَةُ إِبْلِيسَ اَلْعُظْمَى وَ مَكِيدَتُهُ اَلْكُبْرَى اَلَّتِي تُسَاوِرُ قُلُوبَ اَلرِّجَالِ مُسَاوَرَةَ اَلسُّمُومِ اَلْقَاتِلَةِ
فَمَا تُكْدِي أَبَداً وَ لاَ تُشْوِي أَحَداً لاَ عَالِماً لِعِلْمِهِ وَ لاَ مُقِلاًّ فِي طِمْرِهِ
وَ عَنْ ذَلِكَ مَا حَرَسَ اَللَّهُ عِبَادَهُ اَلْمُؤْمِنِينَ بِالصَّلَوَاتِ وَ اَلزَّكَوَاتِ وَ مُجَاهَدَةِ اَلصِّيَامِ فِي اَلْأَيَّامِ اَلْمَفْرُوضَاتِ تَسْكِيناً لِأَطْرَافِهِمْ وَ تَخْشِيعاً لِأَبْصَارِهِمْ وَ تَذْلِيلاً لِنُفُوسِهِمْ وَ تَخْفِيضاً لِقُلُوبِهِمْ وَ إِذْهَاباً لِلْخُيَلاَءِ عَنْهُمْ
وَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَعْفِيرِ عِتَاقِ اَلْوُجُوهِ بِالتُّرَابِ تَوَاضُعاً وَ اِلْتِصَاقِ كَرَائِمِ اَلْجَوَارِحِ بِالْأَرْضِ تَصَاغُراً وَ لُحُوقِ اَلْبُطُونِ بِالْمُتُونِ مِنَ اَلصِّيَامِ تَذَلُّلاً مَعَ مَا فِي اَلزَّكَاةِ مِنْ صَرْفِ ثَمَرَاتِ اَلْأَرْضِ وَ غَيْرِ ذَلِكَ إِلَى أَهْلِ اَلْمَسْكَنَةِ وَ اَلْفَقْرِ
فضائل الفرائض اُنْظُرُوا إِلَى مَا فِي هَذِهِ اَلْأَفْعَالِ مِنْ قَمْعِ نَوَاجِمِ اَلْفَخْرِ وَ قَدْعِ طَوَالِعِ اَلْكِبْرِ
وَ لَقَدْ نَظَرْتُ فَمَا وَجَدْتُ أَحَداً مِنَ اَلْعَالَمِينَ يَتَعَصَّبُ لِشَيْءٍ مِنَ اَلْأَشْيَاءِ إِلاَّ عَنْ عِلَّةٍ تَحْتَمِلُ تَمْوِيهَ اَلْجُهَلاَءِ أَوْ حُجَّةٍ تَلِيطُ بِعُقُولِ اَلسُّفَهَاءِ غَيْرَكُمْ فَإِنَّكُمْ تَتَعَصَّبُونَ لِأَمْرٍ مَا يُعْرَفُ لَهُ سَبَبٌ وَ لاَ عِلَّةٌ
أَمَّا إِبْلِيسُ فَتَعَصَّبَ عَلَى آدَمَ لِأَصْلِهِ وَ طَعَنَ عَلَيْهِ فِي خِلْقَتِهِ فَقَالَ أَنَا نَارِيٌّ وَ أَنْتَ طِينِيٌّ عصبية المال وَ أَمَّا اَلْأَغْنِيَاءُ مِنْ مُتْرَفَةِ اَلْأُمَمِ فَتَعَصَّبُوا لِآثَارِ مَوَاقِعِ اَلنِّعَمِ فَ قٰالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوٰالاً وَ أَوْلاٰداً وَ مٰا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ
فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مِنَ اَلْعَصَبِيَّةِ فَلْيَكُنْ تَعَصُّبُكُمْ لِمَكَارِمِ اَلْخِصَالِ وَ مَحَامِدِ اَلْأَفْعَالِ
وَ مَحَاسِنِ اَلْأُمُورِ اَلَّتِي تَفَاضَلَتْ فِيهَا اَلْمُجَدَاءُ وَ اَلنُّجَدَاءُ مِنْ بُيُوتَاتِ اَلْعَرَبِ وَ يَعَاسِيبِ اَلقَبَائِلِ بِالْأَخْلاَقِ اَلرَّغِيبَةِ وَ اَلْأَحْلاَمِ اَلْعَظِيمَةِ وَ اَلْأَخْطَارِ اَلْجَلِيلَةِ وَ اَلْآثَارِ اَلْمَحْمُودَةِ
فَتَعَصَّبُوا لِخِلاَلِ اَلْحَمْدِ مِنَ اَلْحِفْظِ لِلْجِوَارِ وَ اَلْوَفَاءِ بِالذِّمَامِ وَ اَلطَّاعَةِ لِلْبِرِّ وَ اَلْمَعْصِيَةِ لِلْكِبْرِ وَ اَلْأَخْذِ بِالْفَضْلِ وَ اَلْكَفِّ عَنِ اَلْبَغْيِ وَ اَلْإِعْظَامِ لِلْقَتْلِ وَ اَلْإِنْصَافِ لِلْخَلْقِ وَ اَلْكَظْمِ لِلْغَيْظِ وَ اِجْتِنَابِ اَلْفَسَادِ فِي اَلْأَرْضِ
وَ اِحْذَرُوا مَا نَزَلَ بِالْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مِنَ اَلْمَثُلاَتِ بِسُوءِ اَلْأَفْعَالِ وَ ذَمِيمِ اَلْأَعْمَالِ فَتَذَكَّرُوا فِي اَلْخَيْرِ وَ اَلشَّرِّ أَحْوَالَهُمْ وَ اِحْذَرُوا أَنْ تَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ فَإِذَا تَفَكَّرْتُمْ فِي تَفَاوُتِ حَالَيْهِمْ فَالْزَمُوا كُلَّ أَمْرٍ لَزِمَتِ اَلْعِزَّةُ بِهِ شَأْنَهُمْ
وَ زَاحَتِ اَلْأَعْدَاءُ لَهُ عَنْهُمْ وَ مُدَّتِ اَلْعَافِيَةُ بِهِ عَلَيْهِمْ وَ اِنْقَادَتِ اَلنِّعْمَةُ لَهُ مَعَهُمْ وَ وَصَلَتِ اَلْكَرَامَةُ عَلَيْهِ حَبْلَهُمْ مِنَ اَلاِجْتِنَابِ لِلْفُرْقَةِ وَ اَللُّزُومِ لِلْأُلْفَةِ وَ اَلتَّحَاضِّ عَلَيْهَا وَ اَلتَّوَاصِي بِهَا
وَ اِجْتَنِبُوا كُلَّ أَمْرٍ كَسَرَ فِقْرَتَهُمْ وَ أَوْهَنَ مُنَّتَهُمْ مِنْ تَضَاغُنِ اَلْقُلُوبِ وَ تَشَاحُنِ اَلصُّدُورِ وَ تَدَابُرِ اَلنُّفُوسِ وَ تَخَاذُلِ اَلْأَيْدِي
وَ تَدَبَّرُوا أَحْوَالَ اَلْمَاضِينَ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ قَبْلَكُمْ كَيْفَ كَانُوا فِي حَالِ اَلتَّمْحِيصِ وَ اَلْبَلاَءِ أَ لَمْ يَكُونُوا أَثْقَلَ اَلْخَلاَئِقِ أَعْبَاءً وَ أَجْهَدَ اَلْعِبَادِ بَلاَءً وَ أَضْيَقَ أَهْلِ اَلدُّنْيَا حَالاً
اِتَّخَذَتْهُمُ اَلْفَرَاعِنَةُ عَبِيداً فَسَامُوهُمْ سُوءَ اَلْعَذَابِ وَ جَرَّعُوهُمُ اَلْمُرَارَ فَلَمْ تَبْرَحِ اَلْحَالُ بِهِمْ فِي ذُلِّ اَلْهَلَكَةِ وَ قَهْرِ اَلْغَلَبَةِ لاَ يَجِدُونَ حِيلَةً فِي اِمْتِنَاعٍ وَ لاَ سَبِيلاً إِلَى دِفَاعٍ
حَتَّى إِذَا رَأَى اَللَّهُ سُبْحَانَهُ جِدَّ اَلصَّبْرِ مِنْهُمْ عَلَى اَلْأَذَى فِي مَحَبَّتِهِ وَ اَلاِحْتِمَالَ لِلْمَكْرُوهِ مِنْ خَوْفِهِ جَعَلَ لَهُمْ مِنْ مَضَايِقِ اَلْبَلاَءِ فَرَجاً فَأَبْدَلَهُمُ اَلْعِزَّ مَكَانَ اَلذُّلِّ وَ اَلْأَمْنَ مَكَانَ اَلْخَوْفِ
فَصَارُوا مُلُوكاً حُكَّاماً وَ أَئِمَّةً أَعْلاَماً وَ قَدْ بَلَغَتِ اَلْكَرَامَةُ مِنَ اَللَّهِ لَهُمْ مَا لَمْ تَذْهَبِ اَلْآمَالُ إِلَيْهِ بِهِمْ
فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانُوا حَيْثُ كَانَتِ اَلْأَمْلاَءُ مُجْتَمِعَةً وَ اَلْأَهْوَاءُ مُؤْتَلِفَةً وَ اَلْقُلُوبُ مُعْتَدِلَةً وَ اَلْأَيْدِي مُتَرَادِفَةً وَ اَلسُّيُوفُ مُتَنَاصِرَةً وَ اَلْبَصَائِرُ نَافِذَةً وَ اَلْعَزَائِمُ وَاحِدَةً
أَ لَمْ يَكُونُوا أَرْبَاباً فِي أَقْطَارِ اَلْأَرَضِينَ وَ مُلُوكاً عَلَى رِقَابِ اَلْعَالَمِينَ
فَانْظُرُوا إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ فِي آخِرِ أُمُورِهِمْ حِينَ وَقَعَتِ اَلْفُرْقَةُ وَ تَشَتَّتَتِ اَلْأُلْفَةُ وَ اِخْتَلَفَتِ اَلْكَلِمَةُ وَ اَلْأَفْئِدَةُ وَ تَشَعَّبُوا مُخْتَلِفِينَ وَ تَفَرَّقُوا مُتَحَارِبِينَ
قَدْ خَلَعَ اَللَّهُ عَنْهُمْ لِبَاسَ كَرَامَتِهِ وَ سَلَبَهُمْ غَضَارَةَ نِعْمَتِهِ وَ بَقِيَ قَصَصُ أَخْبَارِهِمْ فِيكُمْ عِبَراً لِلْمُعْتَبِرِينَ
الاعتبار بالأمم فَاعْتَبِرُوا بِحَالِ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَ بَنِي إِسْحَاقَ وَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عليهمالسلام فَمَا أَشَدَّ اِعْتِدَالَ اَلْأَحْوَالِ وَ أَقْرَبَ اِشْتِبَاهَ اَلْأَمْثَالِ تَأَمَّلُوا أَمْرَهُمْ فِي حَالِ تَشَتُّتِهِمْ وَ تَفَرُّقِهِمْ لَيَالِيَ كَانَتِ اَلْأَكَاسِرَةُ وَ اَلْقَيَاصِرَةُ أَرْبَاباً لَهُمْ
يَحْتَازُونَهُمْ عَنْ رِيفِ اَلْآفَاقِ وَ بَحْرِ اَلْعِرَاقِ وَ خُضْرَةِ اَلدُّنْيَا إِلَى مَنَابِتِ اَلشِّيحِ وَ مَهَافِي اَلرِّيحِ وَ نَكَدِ اَلْمَعَاشِ فَتَرَكُوهُمْ عَالَةً مَسَاكِينَ إِخْوَانَ دَبَرٍ وَ وَبَرٍ أَذَلَّ اَلْأُمَمِ دَاراً وَ أَجْدَبَهُمْ قَرَاراً
لاَ يَأْوُونَ إِلَى جَنَاحِ دَعْوَةٍ يَعْتَصِمُونَ بِهَا وَ لاَ إِلَى ظِلِّ أُلْفَةٍ يَعْتَمِدُونَ عَلَى عِزِّهَا
فَالْأَحْوَالُ مُضْطَرِبَةٌ وَ اَلْأَيْدِي مُخْتَلِفَةٌ وَ اَلْكَثْرَةُ مُتَفَرِّقَةٌ فِي بَلاَءِ أَزْلٍ وَ أَطْبَاقِ جَهْلٍ مِنْ بَنَاتٍ مَوْءُودَةٍ وَ أَصْنَامٍ مَعْبُودَةٍ وَ أَرْحَامٍ مَقْطُوعَةٍ وَ غَارَاتٍ مَشْنُونَةٍ
النعمة برسول اللّه فَانْظُرُوا إِلَى مَوَاقِعِ نِعَمِ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ حِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولاً فَعَقَدَ بِمِلَّتِهِ طَاعَتَهُمْ وَ جَمَعَ عَلَى دَعْوَتِهِ أُلْفَتَهُمْ
كَيْفَ نَشَرَتِ اَلنِّعْمَةُ عَلَيْهِمْ جَنَاحَ كَرَامَتِهَا وَ أَسَالَتْ لَهُمْ جَدَاوِلَ نَعِيمِهَا وَ اِلْتَفَّتِ اَلْمِلَّةُ بِهِمْ فِي عَوَائِدِ بَرَكَتِهَا فَأَصْبَحُوا فِي نِعْمَتِهَا غَرِقِينَ وَ فِي خُضْرَةِ عَيْشِهَا فَكِهِينَ
قَدْ تَرَبَّعَتِ اَلْأُمُورُ بِهِمْ فِي ظِلِّ سُلْطَانٍ قَاهِرٍ وَ آوَتْهُمُ اَلْحَالُ إِلَى كَنَفِ عِزٍّ غَالِبٍ وَ تَعَطَّفَتِ اَلْأُمُورُ عَلَيْهِمْ فِي ذُرَى مُلْكٍ ثَابِتٍ
فَهُمْ حُكَّامٌ عَلَى اَلْعَالَمِينَ وَ مُلُوكٌ فِي أَطْرَافِ اَلْأَرَضِينَ يَمْلِكُونَ اَلْأُمُورَ عَلَى مَنْ كَانَ يَمْلِكُهَا عَلَيْهِمْ وَ يُمْضُونَ اَلْأَحْكَامَ فِيمَنْ كَانَ يُمْضِيهَا فِيهِمْ لاَ تُغْمَزُ لَهُمْ قَنَاةٌ وَ لاَ تُقْرَعُ لَهُمْ صَفَاةٌ
لوم العصاة أَلاَ وَ إِنَّكُمْ قَدْ نَفَضْتُمْ أَيْدِيَكُمْ مِنْ حَبْلِ اَلطَّاعَةِ وَ ثَلَمْتُمْ حِصْنَ اَللَّهِ اَلْمَضْرُوبَ عَلَيْكُمْ بِأَحْكَامِ اَلْجَاهِلِيَّةِ
فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدِ اِمْتَنَّ عَلَى جَمَاعَةِ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ فِيمَا عَقَدَ بَيْنَهُمْ مِنْ حَبْلِ هَذِهِ اَلْأُلْفَةِ اَلَّتِي يَنْتَقِلُونَ فِي ظِلِّهَا وَ يَأْوُونَ إِلَى كَنَفِهَا بِنِعْمَةٍ لاَ يَعْرِفُ أَحَدٌ مِنَ اَلْمَخْلُوقِينَ لَهَا قِيمَةً لِأَنَّهَا أَرْجَحُ مِنْ كُلِّ ثَمَنٍ وَ أَجَلُّ مِنْ كُلِّ خَطَرٍ
وَ اِعْلَمُوا أَنَّكُمْ صِرْتُمْ بَعْدَ اَلْهِجْرَةِ أَعْرَاباً وَ بَعْدَ اَلْمُوَالاَةِ أَحْزَاباً مَا تَتَعَلَّقُونَ مِنَ اَلْإِسْلاَمِ إِلاَّ بِاسْمِهِ وَ لاَ تَعْرِفُونَ مِنَ اَلْإِيمَانِ إِلاَّ رَسْمَهُ
تَقُولُونَ اَلنَّارَ وَ لاَ اَلْعَارَ كَأَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُكْفِئُوا اَلْإِسْلاَمَ عَلَى وَجْهِهِ اِنْتِهَاكاً لِحَرِيمِهِ وَ نَقْضاً لِمِيثَاقِهِ اَلَّذِي وَضَعَهُ اَللَّهُ لَكُمْ حَرَماً فِي أَرْضِهِ وَ أَمْناً بَيْنَ خَلْقِهِ
وَ إِنَّكُمْ إِنْ لَجَأْتُمْ إِلَى غَيْرِهِ حَارَبَكُمْ أَهْلُ اَلْكُفْرِ ثُمَّ لاَ جَبْرَائِيلُ وَ لاَ مِيكَائِيلُ وَ لاَ مُهَاجِرُونَ وَ لاَ أَنْصَارٌ يَنْصُرُونَكُمْ إِلاَّ اَلْمُقَارَعَةَ بِالسَّيْفِ حَتَّى يَحْكُمَ اَللَّهُ بَيْنَكُمْ
وَ إِنَّ عِنْدَكُمُ اَلْأَمْثَالَ مِنْ بَأْسِ اَللَّهِ وَ قَوَارِعِهِ وَ أَيَّامِهِ وَ وَقَائِعِهِ فَلاَ تَسْتَبْطِئُوا وَعِيدَهُ جَهْلاً بِأَخْذِهِ وَ تَهَاوُناً بِبَطْشِهِ وَ يَأْساً مِنْ بَأْسِهِ
فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَلْعَنِ اَلْقَرْنَ اَلْمَاضِيَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ إِلاَّ لِتَرْكِهِمُ اَلْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ اَلنَّهْيَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ فَلَعَنَ اَللَّهُ اَلسُّفَهَاءَ لِرُكُوبِ اَلْمَعَاصِي وَ اَلْحُلَمَاءَ لِتَرْكِ اَلتَّنَاهِي
أَلاَ وَ قَدْ قَطَعْتُمْ قَيْدَ اَلْإِسْلاَمِ وَ عَطَّلْتُمْ حُدُودَهُ وَ أَمَتُّمْ أَحْكَامَهُ
أَلاَ وَ قَدْ أَمَرَنِيَ اَللَّهُ بِقِتَالِ أَهْلِ اَلْبَغْيِ وَ اَلنَّكْثِ وَ اَلْفَسَادِ فِي اَلْأَرْضِ فَأَمَّا اَلنَّاكِثُونَ فَقَدْ قَاتَلْتُ وَ أَمَّا اَلْقَاسِطُونَ فَقَدْ جَاهَدْتُ وَ أَمَّا اَلْمَارِقَةُ فَقَدْ دَوَّخْتُ
وَ أَمَّا شَيْطَانُ اَلرَّدْهَةِ فَقَدْ كُفِيتُهُ بِصَعْقَةٍ سُمِعَتْ لَهَا وَجْبَةُ قَلْبِهِ وَ رَجَّةُ صَدْرِهِ وَ بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنْ أَهْلِ اَلْبَغْيِ وَ لَئِنْ أَذِنَ اَللَّهُ فِي اَلْكَرَّةِ عَلَيْهِمْ لَأُدِيلَنَّ مِنْهُمْ إِلاَّ مَا يَتَشَذَّرُ فِي أَطْرَافِ اَلْبِلاَدِ تَشَذُّراً
فضل الوحي أَنَا وَضَعْتُ فِي اَلصِّغَرِ بِكَلاَكِلِ اَلْعَرَبِ وَ كَسَرْتُ نَوَاجِمَ قُرُونِ رَبِيعَةَ وَ مُضَرَ
وَ قَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ صلىاللهعليهوآله بِالْقَرَابَةِ اَلْقَرِيبَةِ وَ اَلْمَنْزِلَةِ اَلْخَصِيصَةِ وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَ أَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِهِ وَ يَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ وَ يُمِسُّنِي جَسَدَهُ وَ يُشِمُّنِي عَرْفَهُ
وَ كَانَ يَمْضَغُ اَلشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ وَ مَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ وَ لاَ خَطْلَةً فِي فِعْلٍ
وَ لَقَدْ قَرَنَ اَللَّهُ بِهِ صلىاللهعليهوآله مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَتِهِ يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ اَلْمَكَارِمِ وَ مَحَاسِنَ أَخْلاَقِ اَلْعَالَمِ لَيْلَهُ وَ نَهَارَهُ
وَ لَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اِتِّبَاعَ اَلْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلاَقِهِ عَلَماً وَ يَأْمُرُنِي بِالاِقْتِدَاءِ بِهِ
وَ لَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ وَ لاَ يَرَاهُ غَيْرِي وَ لَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي اَلْإِسْلاَمِ غَيْرَ رَسُولِ اَللَّهِ صلىاللهعليهوآله وَ خَدِيجَةَ وَ أَنَا ثَالِثُهُمَا أَرَى نُورَ اَلْوَحْيِ وَ اَلرِّسَالَةِ وَ أَشُمُّ رِيحَ اَلنُّبُوَّةِ
وَ لَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ اَلشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ اَلْوَحْيُ عَلَيْهِ صلىاللهعليهوآله فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَا هَذِهِ اَلرَّنَّةُ فَقَالَ هَذَا اَلشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ
إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَ تَرَى مَا أَرَى إِلاَّ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ وَ لَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وَ إِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ وَ لَقَدْ كُنْتُ مَعَهُ صلىاللهعليهوآله لَمَّا أَتَاهُ اَلْمَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالُوا لَهُ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ قَدِ اِدَّعَيْتَ عَظِيماً لَمْ يَدَّعِهِ آبَاؤُكَ وَ لاَ أَحَدٌ مِنْ بَيْتِكَ
وَ نَحْنُ نَسْأَلُكَ أَمْراً إِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنَا إِلَيْهِ وَ أَرَيْتَنَاهُ عَلِمْنَا أَنَّكَ نَبِيٌّ وَ رَسُولٌ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ عَلِمْنَا أَنَّكَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ
فَقَالَ صلىاللهعليهوآله وَ مَا تَسْأَلُونَ قَالُوا تَدْعُو لَنَا هَذِهِ اَلشَّجَرَةَ حَتَّى تَنْقَلِعَ بِعُرُوقِهَا وَ تَقِفَ بَيْنَ يَدَيْكَ فَقَالَ صلىاللهعليهوآله إِنَّ اَللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فَإِنْ فَعَلَ اَللَّهُ لَكُمْ ذَلِكَ أَ تُؤْمِنُونَ وَ تَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ قَالُوا نَعَمْ
قَالَ فَإِنِّي سَأُرِيكُمْ مَا تَطْلُبُونَ وَ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكُمْ لاَ تَفِيئُونَ إِلَى خَيْرٍ وَ إِنَّ فِيكُمْ مَنْ يُطْرَحُ فِي اَلْقَلِيبِ وَ مَنْ يُحَزِّبُ اَلْأَحْزَابَ
ثُمَّ قَالَ صلىاللهعليهوآله يَا أَيَّتُهَا اَلشَّجَرَةُ إِنْ كُنْتِ تُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ تَعْلَمِينَ أَنِّي رَسُولُ اَللَّهِ فَانْقَلِعِي بِعُرُوقِكِ حَتَّى تَقِفِي بَيْنَ يَدَيَّ بِإِذْنِ اَللَّهِ
فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لاَنْقَلَعَتْ بِعُرُوقِهَا وَ جَاءَتْ وَ لَهَا دَوِيٌّ شَدِيدٌ وَ قَصْفٌ كَقَصْفِ أَجْنِحَةِ اَلطَّيْرِ حَتَّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اَللَّهِ صلىاللهعليهوآله مُرَفْرِفَةً
وَ أَلْقَتْ بِغُصْنِهَا اَلْأَعْلَى عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ صلىاللهعليهوآله وَ بِبَعْضِ أَغْصَانِهَا عَلَى مَنْكِبِي وَ كُنْتُ عَنْ يَمِينِهِ صلىاللهعليهوآله
فَلَمَّا نَظَرَ اَلْقَوْمُ إِلَى ذَلِكَ قَالُوا عُلُوّاً وَ اِسْتِكْبَاراً فَمُرْهَا فَلْيَأْتِكَ نِصْفُهَا وَ يَبْقَى نِصْفُهَا فَأَمَرَهَا بِذَلِكَ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ نِصْفُهَا كَأَعْجَبِ إِقْبَالٍ وَ أَشَدِّهِ دَوِيّاً فَكَادَتْ تَلْتَفُّ بِرَسُولِ اَللَّهِ صلىاللهعليهوآله
فَقَالُوا كُفْراً وَ عُتُوّاً فَمُرْ هَذَا اَلنِّصْفَ فَلْيَرْجِعْ إِلَى نِصْفِهِ كَمَا كَانَ فَأَمَرَهُ صلىاللهعليهوآله فَرَجَعَ
فَقُلْتُ أَنَا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ إِنِّي أَوَّلُ مُؤْمِنٍ بِكَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ وَ أَوَّلُ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ اَلشَّجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأَمْرِ اَللَّهِ تَعَالَى تَصْدِيقاً بِنُبُوَّتِكَ وَ إِجْلاَلاً لِكَلِمَتِكَ
فَقَالَ اَلْقَوْمُ كُلُّهُمْ بَلْ سٰاحِرٌ كَذّٰابٌ عَجِيبُ اَلسِّحْرِ خَفِيفٌ فِيهِ وَ هَلْ يُصَدِّقُكَ فِي أَمْرِكَ إِلاَّ مِثْلُ هَذَا يَعْنُونَنِي
وَ إِنِّي لَمِنْ قَوْمٍ لاَ تَأْخُذُهُمْ فِي اَللَّهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ سِيمَاهُمْ سِيمَا اَلصِّدِّيقِينَ وَ كَلاَمُهُمْ كَلاَمُ اَلْأَبْرَارِ عُمَّارُ اَللَّيْلِ وَ مَنَارُ اَلنَّهَارِ مُتَمَسِّكُونَ بِحَبْلِ اَلْقُرْآنِ يُحْيُونَ سُنَنَ اَللَّهِ وَ سُنَنَ رَسُولِهِ
لاَ يَسْتَكْبِرُونَ وَ لاَ يَعْلُونَ وَ لاَ يَغُلُّونَ وَ لاَ يُفْسِدُونَ قُلُوبُهُمْ فِي اَلْجِنَانِ وَ أَجْسَادُهُمْ فِي اَلْعَمَلِ
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي لَبِسَ اَلْعِزَّ وَ اَلْكِبْرِيَاءَ وَ اِخْتَارَهُمَا لِنَفْسِهِ دُونَ خَلْقِهِ وَ جَعَلَهُمَا حِمًى وَ حَرَماً عَلَى غَيْرِهِ وَ اِصْطَفَاهُمَا لِجَلاَلِهِ رأس العصيان وَ جَعَلَ اَللَّعْنَةَ عَلَى مَنْ نَازَعَهُ فِيهِمَا مِنْ عِبَادِهِ
ثُمَّ اِخْتَبَرَ بِذَلِكَ مَلاَئِكَتَهُ اَلْمُقَرَّبِينَ لِيَمِيزَ اَلْمُتَوَاضِعِينَ مِنْهُمْ مِنَ اَلْمُسْتَكْبِرِينَ
فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَ هُوَ اَلْعَالِمُ بِمُضْمَرَاتِ اَلْقُلُوبِ وَ مَحْجُوبَاتِ اَلْغُيُوبِ إِنِّي خٰالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذٰا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سٰاجِدِينَ فَسَجَدَ اَلْمَلاٰئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاّٰ إِبْلِيسَ
اِعْتَرَضَتْهُ اَلْحَمِيَّةُ فَافْتَخَرَ عَلَى آدَمَ بِخَلْقِهِ وَ تَعَصَّبَ عَلَيْهِ لِأَصْلِهِ فَعَدُوُّ اَللَّهِ إِمَامُ اَلْمُتَعَصِّبِينَ وَ سَلَفُ اَلْمُسْتَكْبِرِينَ اَلَّذِي وَضَعَ أَسَاسَ اَلْعَصَبِيَّةِ وَ نَازَعَ اَللَّهَ رِدَاءَ اَلْجَبْرِيَّةِ وَ اِدَّرَعَ لِبَاسَ اَلتَّعَزُّزِ وَ خَلَعَ قِنَاعَ اَلتَّذَلُّلِ
أَ لاَ تَرَوْنَ كَيْفَ صَغَّرَهُ اَللَّهُ بِتَكَبُّرِهِ وَ وَضَعَهُ بِتَرَفُّعِهِ فَجَعَلَهُ فِي اَلدُّنْيَا مَدْحُوراً وَ أَعَدَّ لَهُ فِي اَلْآخِرَةِ سَعِيراً
ابتلاء اللّه لخلقه وَ لَوْ أَرَادَ اَللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ مِنْ نُورٍ يَخْطَفُ اَلْأَبْصَارَ ضِيَاؤُهُ وَ يَبْهَرُ اَلْعُقُولَ رُوَاؤُهُ وَ طِيبٍ يَأْخُذُ اَلْأَنْفَاسَ عَرْفُهُ لَفَعَلَ
وَ لَوْ فَعَلَ لَظَلَّتْ لَهُ اَلْأَعْنَاقُ خَاضِعَةً وَ لَخَفَّتِ اَلْبَلْوَى فِيهِ عَلَى اَلْمَلاَئِكَةِ وَ لَكِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ يَبْتَلِي خَلْقَهُ بِبَعْضِ مَا يَجْهَلُونَ أَصْلَهُ تَمْيِيزاً بِالاِخْتِبَارِ لَهُمْ وَ نَفْياً لِلاِسْتِكْبَارِ عَنْهُمْ وَ إِبْعَاداً لِلْخُيَلاَءِ مِنْهُمْ
طلب العبرة فَاعْتَبِرُوا بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اَللَّهِ بِإِبْلِيسَ إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَهُ اَلطَّوِيلَ وَ جَهْدَهُ اَلْجَهِيدَ وَ كَانَ قَدْ عَبَدَ اَللَّهَ سِتَّةَ آلاَفِ سَنَةٍ لاَ يُدْرَى أَ مِنْ سِنِي اَلدُّنْيَا أَمْ مِنْ سِنِي اَلْآخِرَةِ عَنْ كِبْرِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ
فَمَنْ ذَا بَعْدَ إِبْلِيسَ يَسْلَمُ عَلَى اَللَّهِ بِمِثْلِ مَعْصِيَتِهِ كَلاَّ مَا كَانَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ لِيُدْخِلَ اَلْجَنَّةَ بَشَراً بِأَمْرٍ أَخْرَجَ بِهِ مِنْهَا مَلَكاً
إِنَّ حُكْمَهُ فِي أَهْلِ اَلسَّمَاءِ وَ أَهْلِ اَلْأَرْضِ لَوَاحِدٌ وَ مَا بَيْنَ اَللَّهِ وَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ هَوَادَةٌ فِي إِبَاحَةِ حِمًى حَرَّمَهُ عَلَى اَلْعَالَمِينَ
التحذير من الشيطان فَاحْذَرُوا عِبَادَ اَللَّهِ عَدُوَّ اَللَّهِ أَنْ يُعْدِيَكُمْ بِدَائِهِ وَ أَنْ يَسْتَفِزَّكُمْ بِنِدَائِهِ وَ أَنْ يُجْلِبَ عَلَيْكُمْ بِخَيْلِهِ وَ رَجِلِهِ
فَلَعَمْرِي لَقَدْ فَوَّقَ لَكُمْ سَهْمَ اَلْوَعِيدِ وَ أَغْرَقَ إِلَيْكُمْ بِالنَّزْعِ اَلشَّدِيدِ وَ رَمَاكُمْ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ فَقَالَ رَبِّ بِمٰا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ قَذْفاً بِغَيْبٍ بَعِيدٍ وَ رَجْماً بِظَنٍّ غَيْرِ مُصِيبٍ
صَدَّقَهُ بِهِ أَبْنَاءُ اَلْحَمِيَّةِ وَ إِخْوَانُ اَلْعَصَبِيَّةِ وَ فُرْسَانُ اَلْكِبْرِ وَ اَلْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى إِذَا اِنْقَادَتْ لَهُ اَلْجَامِحَةُ مِنْكُمْ وَ اِسْتَحْكَمَتِ اَلطَّمَاعِيَّةُ مِنْهُ فِيكُمْ فَنَجَمَتِ اَلْحَالُ مِنَ اَلسِّرِّ اَلْخَفِيِّ إِلَى اَلْأَمْرِ اَلْجَلِيِّ
اِسْتَفْحَلَ سُلْطَانُهُ عَلَيْكُمْ وَ دَلَفَ بِجُنُودِهِ نَحْوَكُمْ فَأَقْحَمُوكُمْ وَلَجَاتِ اَلذُّلِّ وَ أَحَلُّوكُمْ وَرَطَاتِ اَلْقَتْلِ
وَ أَوْطَؤُوكُمْ إِثْخَانَ اَلْجِرَاحَةِ طَعْناً فِي عُيُونِكُمْ وَ حَزّاً فِي حُلُوقِكُمْ وَ دَقّاً لِمَنَاخِرِكُمْ وَ قَصْداً لِمَقَاتِلِكُمْ وَ سَوْقاً بِخَزَائِمِ اَلْقَهْرِ إِلَى اَلنَّارِ اَلْمُعَدَّةِ لَكُمْ
فَأَصْبَحَ أَعْظَمَ فِي دِينِكُمْ حَرْجاً وَ أَوْرَى فِي دُنْيَاكُمْ قَدْحاً مِنَ اَلَّذِينَ أَصْبَحْتُمْ لَهُمْ مُنَاصِبِينَ وَ عَلَيْهِمْ مُتَأَلِّبِينَ
فَاجْعَلُوا عَلَيْهِ حَدَّكُمْ وَ لَهُ جِدَّكُمْ فَلَعَمْرُ اَللَّهِ لَقَدْ فَخَرَ عَلَى أَصْلِكُمْ وَ وَقَعَ فِي حَسَبِكُمْ وَ دَفَعَ فِي نَسَبِكُمْ وَ أَجْلَبَ بِخَيْلِهِ عَلَيْكُمْ وَ قَصَدَ بِرَجِلِهِ سَبِيلَكُمْ يَقْتَنِصُونَكُمْ بِكُلِّ مَكَانٍ وَ يَضْرِبُونَ مِنْكُمْ كُلَّ بَنَانٍ
لاَ تَمْتَنِعُونَ بِحِيلَةٍ وَ لاَ تَدْفَعُونَ بِعَزِيمَةٍ فِي حَوْمَةِ ذُلٍّ وَ حَلْقَةِ ضِيقٍ وَ عَرْصَةِ مَوْتٍ وَ جَوْلَةِ بَلاَءٍ
فَأَطْفِئُوا مَا كَمَنَ فِي قُلُوبِكُمْ مِنْ نِيرَانِ اَلْعَصَبِيَّةِ وَ أَحْقَادِ اَلْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّمَا تِلْكَ اَلْحَمِيَّةُ تَكُونُ فِي اَلْمُسْلِمِ مِنْ خَطَرَاتِ اَلشَّيْطَانِ وَ نَخَوَاتِهِ وَ نَزَغَاتِهِ وَ نَفَثَاتِهِ
وَ اِعْتَمِدُوا وَضْعَ اَلتَّذَلُّلِ عَلَى رُءُوسِكُمْ وَ إِلْقَاءَ اَلتَّعَزُّزِ تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ وَ خَلْعَ اَلتَّكَبُّرِ مِنْ أَعْنَاقِكُمْ وَ اِتَّخِذُوا اَلتَّوَاضُعَ مَسْلَحَةً بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ عَدُوِّكُمْ إِبْلِيسَ وَ جُنُودِهِ فَإِنَّ لَهُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ جُنُوداً وَ أَعْوَاناً وَ رَجِلاً وَ فُرْسَاناً
وَ لاَ تَكُونُوا كَالْمُتَكَبِّرِ عَلَى اِبْنِ أُمِّهِ مِنْ غَيْرِ مَا فَضْلٍ جَعَلَهُ اَللَّهُ فِيهِ سِوَى مَا أَلْحَقَتِ اَلْعَظَمَةُ بِنَفْسِهِ مِنْ عَدَاوَةِ اَلْحَسَدِ وَ قَدَحَتِ اَلْحَمِيَّةُ فِي قَلْبِهِ مِنْ نَارِ اَلْغَضَبِ
وَ نَفَخَ اَلشَّيْطَانُ فِي أَنْفِهِ مِنْ رِيحِ اَلْكِبْرِ اَلَّذِي أَعْقَبَهُ اَللَّهُ بِهِ اَلنَّدَامَةَ وَ أَلْزَمَهُ آثَامَ اَلْقَاتِلِينَ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ
التحذير من الكبر أَلاَ وَ قَدْ أَمْعَنْتُمْ فِي اَلْبَغْيِ وَ أَفْسَدْتُمْ فِي اَلْأَرْضِ مُصَارَحَةً لِلَّهِ بِالْمُنَاصَبَةِ وَ مُبَارَزَةً لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْمُحَارَبَةِ
فَاللَّهَ اَللَّهَ فِي كِبْرِ اَلْحَمِيَّةِ وَ فَخْرِ اَلْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مَلاَقِحُ اَلشَّنَئَانِ وَ مَنَافِخُ اَلشَّيْطَانِ اَلَّتِي خَدَعَ بِهَا اَلْأُمَمَ اَلْمَاضِيَةَ وَ اَلْقُرُونَ اَلْخَالِيَةَ حَتَّى أَعْنَقُوا فِي حَنَادِسِ جَهَالَتِهِ وَ مَهَاوِي ضَلاَلَتِهِ
ذُلُلاً عَنْ سِيَاقِهِ سُلُساً فِي قِيَادِهِ أَمْراً تَشَابَهَتِ اَلْقُلُوبُ فِيهِ وَ تَتَابَعَتِ اَلْقُرُونُ عَلَيْهِ وَ كِبْراً تَضَايَقَتِ اَلصُّدُورُ بِهِ
التحذير من طاعة الكبراء أَلاَ فَالْحَذَرَ اَلْحَذَرَ مِنْ طَاعَةِ سَادَاتِكُمْ وَ كُبَرَائِكُمْ اَلَّذِينَ تَكَبَّرُوا عَنْ حَسَبِهِمْ وَ تَرَفَّعُوا فَوْقَ نَسَبِهِمْ وَ أَلْقَوُا اَلْهَجِينَةَ عَلَى رَبِّهِمْ وَ جَاحَدُوا اَللَّهَ عَلَى مَا صَنَعَ بِهِمْ مُكَابَرَةً لِقَضَائِهِ وَ مُغَالَبَةً لِآلاَئِهِ
فَإِنَّهُمْ قَوَاعِدُ أَسَاسِ اَلْعَصَبِيَّةِ وَ دَعَائِمُ أَرْكَانِ اَلْفِتْنَةِ وَ سُيُوفُ اِعْتِزَاءِ اَلْجَاهِلِيَّةِ
فَاتَّقُوا اَللَّهَ وَ لاَ تَكُونُوا لِنِعَمِهِ عَلَيْكُمْ أَضْدَاداً وَ لاَ لِفَضْلِهِ عِنْدَكُمْ حُسَّاداً وَ لاَ تُطِيعُوا اَلْأَدْعِيَاءَ اَلَّذِينَ شَرِبْتُمْ بِصَفْوِكُمْ كَدَرَهُمْ وَ خَلَطْتُمْ بِصِحَّتِكُمْ مَرَضَهُمْ وَ أَدْخَلْتُمْ فِي حَقِّكُمْ بَاطِلَهُمْ
وَ هُمْ أَسَاسُ اَلْفُسُوقِ وَ أَحْلاَسُ اَلْعُقُوقِ اِتَّخَذَهُمْ إِبْلِيسُ مَطَايَا ضَلاَلٍ وَ جُنْداً بِهِمْ يَصُولُ عَلَى اَلنَّاسِ وَ تَرَاجِمَةً يَنْطِقُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ
اِسْتِرَاقاً لِعُقُولِكُمْ وَ دُخُولاً فِي عُيُونِكُمْ وَ نَفْثاً فِي أَسْمَاعِكُمْ فَجَعَلَكُمْ مَرْمَى نَبْلِهِ وَ مَوْطِئَ قَدَمِهِ وَ مَأْخَذَ يَدِهِ
العبرة بالماضين فَاعْتَبِرُوا بِمَا أَصَابَ اَلْأُمَمَ اَلْمُسْتَكْبِرِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ بَأْسِ اَللَّهِ وَ صَوْلاَتِهِ وَ وَقَائِعِهِ وَ مَثُلاَتِهِ وَ اِتَّعِظُوا بِمَثَاوِي خُدُودِهِمْ وَ مَصَارِعِ جُنُوبِهِمْ
وَ اِسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ لَوَاقِحِ اَلْكِبْرِ كَمَا تَسْتَعِيذُونَهُ مِنْ طَوَارِقِ اَلدَّهْرِ
فَلَوْ رَخَّصَ اَللَّهُ فِي اَلْكِبْرِ لِأَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ لَرَخَّصَ فِيهِ لِخَاصَّةِ أَنْبِيَائِهِ وَ أَوْلِيَائِهِ وَ لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ كَرَّهَ إِلَيْهِمُ اَلتَّكَابُرَ وَ رَضِيَ لَهُمُ اَلتَّوَاضُعَ
فَأَلْصَقُوا بِالْأَرْضِ خُدُودَهُمْ وَ عَفَّرُوا فِي اَلتُّرَابِ وُجُوهَهُمْ وَ خَفَضُوا أَجْنِحَتَهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ كَانُوا قَوْماً مُسْتَضْعَفِينَ قَدِ اِخْتَبَرَهُمُ اَللَّهُ بِالْمَخْمَصَةِ وَ اِبْتَلاَهُمْ بِالْمَجْهَدَةِ وَ اِمْتَحَنَهُمْ بِالْمَخَاوِفِ وَ مَخَضَهُمْ بِالْمَكَارِهِ
فَلاَ تَعْتَبِرُوا اَلرِّضَى وَ اَلسُّخْطَ بِالْمَالِ وَ اَلْوَلَدِ جَهْلاً بِمَوَاقِعِ اَلْفِتْنَةِ وَ اَلاِخْتِبَارِ فِي مَوْضِعِ اَلْغِنَى وَ اَلاِقْتِدَارِ
فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى أَ يَحْسَبُونَ أَنَّمٰا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مٰالٍ وَ بَنِينَ نُسٰارِعُ لَهُمْ فِي اَلْخَيْرٰاتِ بَلْ لاٰ يَشْعُرُونَ
فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ اَلْمُسْتَكْبِرِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ بِأَوْلِيَائِهِ اَلْمُسْتَضْعَفِينَ فِي أَعْيُنِهِمْ
تواضع الأنبياء وَ لَقَدْ دَخَلَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ وَ مَعَهُ أَخُوهُ هَارُونُ عليهماالسلام عَلَى فِرْعَوْنَ وَ عَلَيْهِمَا مَدَارِعُ اَلصُّوفِ وَ بِأَيْدِيهِمَا اَلْعِصِيُّ فَشَرَطَا لَهُ إِنْ أَسْلَمَ بَقَاءَ مُلْكِهِ وَ دَوَامَ عِزِّهِ
فَقَالَ أَ لاَ تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَيْنِ يَشْرِطَانِ لِي دَوَامَ اَلْعِزِّ وَ بَقَاءَ اَلْمُلْكِ وَ هُمَا بِمَا تَرَوْنَ مِنْ حَالِ اَلْفَقْرِ وَ اَلذُّلِّ فَهَلاَّ أُلْقِيَ عَلَيْهِمَا أَسَاوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ إِعْظَاماً لِلذَّهَبِ وَ جَمْعِهِ وَ اِحْتِقَاراً لِلصُّوفِ وَ لُبْسِهِ وَ لَوْ أَرَادَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ لِأَنْبِيَائِهِ حَيْثُ بَعَثَهُمْ أَنْ يَفْتَحَ لَهُمْ كُنُوزَ اَلذِّهْبَانِ وَ مَعَادِنَ اَلْعِقْيَانِ وَ مَغَارِسَ اَلْجِنَانِ وَ أَنْ يَحْشُرَ مَعَهُمْ طُيُورَ اَلسَّمَاءِ وَ وُحُوشَ اَلْأَرَضِينَ لَفَعَلَ
وَ لَوْ فَعَلَ لَسَقَطَ اَلْبَلاَءُ وَ بَطَلَ اَلْجَزَاءُ وَ اِضْمَحَلَّتِ اَلْأَنْبَاءُ وَ لَمَا وَجَبَ لِلْقَابِلِينَ أُجُورُ اَلْمُبْتَلِينَ وَ لاَ اِسْتَحَقَّ اَلْمُؤْمِنُونَ ثَوَابَ اَلْمُحْسِنِينَ وَ لاَ لَزِمَتِ اَلْأَسْمَاءُ مَعَانِيَهَا
وَ لَكِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ رُسُلَهُ أُولِي قُوَّةٍ فِي عَزَائِمِهِمْ وَ ضَعَفَةً فِيمَا تَرَى اَلْأَعْيُنُ مِنْ حَالاَتِهِمْ مَعَ قَنَاعَةٍ تَمْلَأُ اَلْقُلُوبَ وَ اَلْعُيُونَ غِنًى وَ خَصَاصَةٍ تَمْلَأُ اَلْأَبْصَارَ وَ اَلْأَسْمَاعَ أَذًى
وَ لَوْ كَانَتِ اَلْأَنْبِيَاءُ أَهْلَ قُوَّةٍ لاَ تُرَامُ وَ عِزَّةٍ لاَ تُضَامُ وَ مُلْكٍ تُمَدُّ نَحْوَهُ أَعْنَاقُ اَلرِّجَالِ وَ تُشَدُّ إِلَيْهِ عُقَدُ اَلرِّحَالِ لَكَانَ ذَلِكَ أَهْوَنَ عَلَى اَلْخَلْقِ فِي اَلاِعْتِبَارِ وَ أَبْعَدَ لَهُمْ فِي اَلاِسْتِكْبَارِ
وَ لَآمَنُوا عَنْ رَهْبَةٍ قَاهِرَةٍ لَهُمْ أَوْ رَغْبَةٍ مَائِلَةٍ بِهِمْ فَكَانَتِ اَلنِّيَّاتُ مُشْتَرَكَةً وَ اَلْحَسَنَاتُ مُقْتَسَمَةً
وَ لَكِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ اَلاِتِّبَاعُ لِرُسُلِهِ وَ اَلتَّصْدِيقُ بِكُتُبِهِ وَ اَلْخُشُوعُ لِوَجْهِهِ وَ اَلاِسْتِكَانَةُ لِأَمْرِهِ وَ اَلاِسْتِسْلاَمُ لِطَاعَتِهِ أُمُوراً لَهُ خَاصَّةً لاَ تَشُوبُهَا مِنْ غَيْرِهَا شَائِبَةٌ
وَ كُلَّمَا كَانَتِ اَلْبَلْوَى وَ اَلاِخْتِبَارُ أَعْظَمَ كَانَتِ اَلْمَثُوبَةُ وَ اَلْجَزَاءُ أَجْزَلَ
الكعبة المقدسة أَ لاَ تَرَوْنَ أَنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ اِخْتَبَرَ اَلْأَوَّلِينَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ صلواتاللهعليه إِلَى اَلْآخِرِينَ مِنْ هَذَا اَلْعَالَمِ بِأَحْجَارٍ لاَ تَضُرُّ وَ لاَ تَنْفَعُ وَ لاَ تُبْصِرُ وَ لاَ تَسْمَعُ فَجَعَلَهَا بَيْتَهُ اَلْحَرَامَ اَلَّذِي جَعَلَهُ لِلنَّاسِ قِيَاماً
ثُمَّ وَضَعَهُ بِأَوْعَرِ بِقَاعِ اَلْأَرْضِ حَجَراً وَ أَقَلِّ نَتَائِقِ اَلدُّنْيَا مَدَراً وَ أَضْيَقِ بُطُونِ اَلْأَوْدِيَةِ قُطْراً بَيْنَ جِبَالٍ خَشِنَةٍ وَ رِمَالٍ دَمِثَةٍ وَ عُيُونٍ وَشِلَةٍ وَ قُرًى مُنْقَطِعَةٍ لاَ يَزْكُو بِهَا خُفٌّ وَ لاَ حَافِرٌ وَ لاَ ظِلْفٌ
ثُمَّ أَمَرَ آدَمَ عليهالسلام وَ وَلَدَهُ أَنْ يَثْنُوا أَعْطَافَهُمْ نَحْوَهُ فَصَارَ مَثَابَةً لِمُنْتَجَعِ أَسْفَارِهِمْ وَ غَايَةً لِمُلْقَى رِحَالِهِمْ تَهْوِي إِلَيْهِ ثِمَارُ اَلْأَفْئِدَةِ
مِنْ مَفَاوِزِ قِفَارٍ سَحِيقَةٍ وَ مَهَاوِي فِجَاجٍ عَمِيقَةٍ وَ جَزَائِرِ بِحَارٍ مُنْقَطِعَةٍ حَتَّى يَهُزُّوا مَنَاكِبَهُمْ ذُلُلاً يُهَلِّلُونَ لِلَّهِ حَوْلَهُ وَ يَرْمُلُونَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ شُعْثاً غُبْراً لَهُ
قَدْ نَبَذُوا اَلسَّرَابِيلَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَ شَوَّهُوا بِإِعْفَاءِ اَلشُّعُورِ مَحَاسِنَ خَلْقِهِمُ اِبْتِلاَءً عَظِيماً وَ اِمْتِحَاناً شَدِيداً وَ اِخْتِبَاراً مُبِيناً وَ تَمْحِيصاً بَلِيغاً جَعَلَهُ اَللَّهُ سَبَباً لِرَحْمَتِهِ وَ وُصْلَةً إِلَى جَنَّتِهِ
وَ لَوْ أَرَادَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَضَعَ بَيْتَهُ اَلْحَرَامَ وَ مَشَاعِرَهُ اَلْعِظَامَ بَيْنَ جَنَّاتٍ وَ أَنْهَارٍ وَ سَهْلٍ وَ قَرَارٍ جَمَّ اَلْأَشْجَارِ دَانِيَ اَلثِّمَارِ مُلْتَفَّ اَلْبُنَى مُتَّصِلَ اَلْقُرَى
بَيْنَ بُرَّةٍ سَمْرَاءَ وَ رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ وَ أَرْيَافٍ مُحْدِقَةٍ وَ عِرَاصٍ مُغْدِقَةٍ وَ رِيَاضٍ نَاضِرَةٍ وَ طُرُقٍ عَامِرَةٍ لَكَانَ قَدْ صَغُرَ قَدْرُ اَلْجَزَاءِ عَلَى حَسَبِ ضَعْفِ اَلْبَلاَءِ
وَ لَوْ كَانَ اَلْإِسَاسُ اَلْمَحْمُولُ عَلَيْهَا وَ اَلْأَحْجَارُ اَلْمَرْفُوعُ بِهَا بَيْنَ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ وَ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ وَ نُورٍ وَ ضِيَاءٍ لَخَفَّفَ ذَلِكَ مُصَارَعَةَ اَلشَّكِّ فِي اَلصُّدُورِ وَ لَوَضَعَ مُجَاهَدَةَ إِبْلِيسَ عَنِ اَلْقُلُوبِ وَ لَنَفَى مُعْتَلَجَ اَلرَّيْبِ مِنَ اَلنَّاسِ
وَ لَكِنَّ اَللَّهَ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ بِأَنْوَاعِ اَلشَّدَائِدِ وَ يَتَعَبَّدُهُمْ بِأَنْوَاعِ اَلْمَجَاهِدِ وَ يَبْتَلِيهِمْ بِضُرُوبِ اَلْمَكَارِهِ إِخْرَاجاً لِلتَّكَبُّرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَ إِسْكَاناً لِلتَّذَلُّلِ فِي نُفُوسِهِمْ وَ لِيَجْعَلَ ذَلِكَ أَبْوَاباً فُتُحاً إِلَى فَضْلِهِ وَ أَسْبَاباً ذُلُلاً لِعَفْوِهِ
عود إلى التحذير فَاللَّهَ اَللَّهَ فِي عَاجِلِ اَلْبَغْيِ وَ آجِلِ وَخَامَةِ اَلظُّلْمِ وَ سُوءِ عَاقِبَةِ اَلْكِبْرِ فَإِنَّهَا مَصْيَدَةُ إِبْلِيسَ اَلْعُظْمَى وَ مَكِيدَتُهُ اَلْكُبْرَى اَلَّتِي تُسَاوِرُ قُلُوبَ اَلرِّجَالِ مُسَاوَرَةَ اَلسُّمُومِ اَلْقَاتِلَةِ
فَمَا تُكْدِي أَبَداً وَ لاَ تُشْوِي أَحَداً لاَ عَالِماً لِعِلْمِهِ وَ لاَ مُقِلاًّ فِي طِمْرِهِ
وَ عَنْ ذَلِكَ مَا حَرَسَ اَللَّهُ عِبَادَهُ اَلْمُؤْمِنِينَ بِالصَّلَوَاتِ وَ اَلزَّكَوَاتِ وَ مُجَاهَدَةِ اَلصِّيَامِ فِي اَلْأَيَّامِ اَلْمَفْرُوضَاتِ تَسْكِيناً لِأَطْرَافِهِمْ وَ تَخْشِيعاً لِأَبْصَارِهِمْ وَ تَذْلِيلاً لِنُفُوسِهِمْ وَ تَخْفِيضاً لِقُلُوبِهِمْ وَ إِذْهَاباً لِلْخُيَلاَءِ عَنْهُمْ
وَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَعْفِيرِ عِتَاقِ اَلْوُجُوهِ بِالتُّرَابِ تَوَاضُعاً وَ اِلْتِصَاقِ كَرَائِمِ اَلْجَوَارِحِ بِالْأَرْضِ تَصَاغُراً وَ لُحُوقِ اَلْبُطُونِ بِالْمُتُونِ مِنَ اَلصِّيَامِ تَذَلُّلاً مَعَ مَا فِي اَلزَّكَاةِ مِنْ صَرْفِ ثَمَرَاتِ اَلْأَرْضِ وَ غَيْرِ ذَلِكَ إِلَى أَهْلِ اَلْمَسْكَنَةِ وَ اَلْفَقْرِ
فضائل الفرائض اُنْظُرُوا إِلَى مَا فِي هَذِهِ اَلْأَفْعَالِ مِنْ قَمْعِ نَوَاجِمِ اَلْفَخْرِ وَ قَدْعِ طَوَالِعِ اَلْكِبْرِ
وَ لَقَدْ نَظَرْتُ فَمَا وَجَدْتُ أَحَداً مِنَ اَلْعَالَمِينَ يَتَعَصَّبُ لِشَيْءٍ مِنَ اَلْأَشْيَاءِ إِلاَّ عَنْ عِلَّةٍ تَحْتَمِلُ تَمْوِيهَ اَلْجُهَلاَءِ أَوْ حُجَّةٍ تَلِيطُ بِعُقُولِ اَلسُّفَهَاءِ غَيْرَكُمْ فَإِنَّكُمْ تَتَعَصَّبُونَ لِأَمْرٍ مَا يُعْرَفُ لَهُ سَبَبٌ وَ لاَ عِلَّةٌ
أَمَّا إِبْلِيسُ فَتَعَصَّبَ عَلَى آدَمَ لِأَصْلِهِ وَ طَعَنَ عَلَيْهِ فِي خِلْقَتِهِ فَقَالَ أَنَا نَارِيٌّ وَ أَنْتَ طِينِيٌّ عصبية المال وَ أَمَّا اَلْأَغْنِيَاءُ مِنْ مُتْرَفَةِ اَلْأُمَمِ فَتَعَصَّبُوا لِآثَارِ مَوَاقِعِ اَلنِّعَمِ فَ قٰالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوٰالاً وَ أَوْلاٰداً وَ مٰا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ
فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مِنَ اَلْعَصَبِيَّةِ فَلْيَكُنْ تَعَصُّبُكُمْ لِمَكَارِمِ اَلْخِصَالِ وَ مَحَامِدِ اَلْأَفْعَالِ
وَ مَحَاسِنِ اَلْأُمُورِ اَلَّتِي تَفَاضَلَتْ فِيهَا اَلْمُجَدَاءُ وَ اَلنُّجَدَاءُ مِنْ بُيُوتَاتِ اَلْعَرَبِ وَ يَعَاسِيبِ اَلقَبَائِلِ بِالْأَخْلاَقِ اَلرَّغِيبَةِ وَ اَلْأَحْلاَمِ اَلْعَظِيمَةِ وَ اَلْأَخْطَارِ اَلْجَلِيلَةِ وَ اَلْآثَارِ اَلْمَحْمُودَةِ
فَتَعَصَّبُوا لِخِلاَلِ اَلْحَمْدِ مِنَ اَلْحِفْظِ لِلْجِوَارِ وَ اَلْوَفَاءِ بِالذِّمَامِ وَ اَلطَّاعَةِ لِلْبِرِّ وَ اَلْمَعْصِيَةِ لِلْكِبْرِ وَ اَلْأَخْذِ بِالْفَضْلِ وَ اَلْكَفِّ عَنِ اَلْبَغْيِ وَ اَلْإِعْظَامِ لِلْقَتْلِ وَ اَلْإِنْصَافِ لِلْخَلْقِ وَ اَلْكَظْمِ لِلْغَيْظِ وَ اِجْتِنَابِ اَلْفَسَادِ فِي اَلْأَرْضِ
وَ اِحْذَرُوا مَا نَزَلَ بِالْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مِنَ اَلْمَثُلاَتِ بِسُوءِ اَلْأَفْعَالِ وَ ذَمِيمِ اَلْأَعْمَالِ فَتَذَكَّرُوا فِي اَلْخَيْرِ وَ اَلشَّرِّ أَحْوَالَهُمْ وَ اِحْذَرُوا أَنْ تَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ فَإِذَا تَفَكَّرْتُمْ فِي تَفَاوُتِ حَالَيْهِمْ فَالْزَمُوا كُلَّ أَمْرٍ لَزِمَتِ اَلْعِزَّةُ بِهِ شَأْنَهُمْ
وَ زَاحَتِ اَلْأَعْدَاءُ لَهُ عَنْهُمْ وَ مُدَّتِ اَلْعَافِيَةُ بِهِ عَلَيْهِمْ وَ اِنْقَادَتِ اَلنِّعْمَةُ لَهُ مَعَهُمْ وَ وَصَلَتِ اَلْكَرَامَةُ عَلَيْهِ حَبْلَهُمْ مِنَ اَلاِجْتِنَابِ لِلْفُرْقَةِ وَ اَللُّزُومِ لِلْأُلْفَةِ وَ اَلتَّحَاضِّ عَلَيْهَا وَ اَلتَّوَاصِي بِهَا
وَ اِجْتَنِبُوا كُلَّ أَمْرٍ كَسَرَ فِقْرَتَهُمْ وَ أَوْهَنَ مُنَّتَهُمْ مِنْ تَضَاغُنِ اَلْقُلُوبِ وَ تَشَاحُنِ اَلصُّدُورِ وَ تَدَابُرِ اَلنُّفُوسِ وَ تَخَاذُلِ اَلْأَيْدِي
وَ تَدَبَّرُوا أَحْوَالَ اَلْمَاضِينَ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ قَبْلَكُمْ كَيْفَ كَانُوا فِي حَالِ اَلتَّمْحِيصِ وَ اَلْبَلاَءِ أَ لَمْ يَكُونُوا أَثْقَلَ اَلْخَلاَئِقِ أَعْبَاءً وَ أَجْهَدَ اَلْعِبَادِ بَلاَءً وَ أَضْيَقَ أَهْلِ اَلدُّنْيَا حَالاً
اِتَّخَذَتْهُمُ اَلْفَرَاعِنَةُ عَبِيداً فَسَامُوهُمْ سُوءَ اَلْعَذَابِ وَ جَرَّعُوهُمُ اَلْمُرَارَ فَلَمْ تَبْرَحِ اَلْحَالُ بِهِمْ فِي ذُلِّ اَلْهَلَكَةِ وَ قَهْرِ اَلْغَلَبَةِ لاَ يَجِدُونَ حِيلَةً فِي اِمْتِنَاعٍ وَ لاَ سَبِيلاً إِلَى دِفَاعٍ
حَتَّى إِذَا رَأَى اَللَّهُ سُبْحَانَهُ جِدَّ اَلصَّبْرِ مِنْهُمْ عَلَى اَلْأَذَى فِي مَحَبَّتِهِ وَ اَلاِحْتِمَالَ لِلْمَكْرُوهِ مِنْ خَوْفِهِ جَعَلَ لَهُمْ مِنْ مَضَايِقِ اَلْبَلاَءِ فَرَجاً فَأَبْدَلَهُمُ اَلْعِزَّ مَكَانَ اَلذُّلِّ وَ اَلْأَمْنَ مَكَانَ اَلْخَوْفِ
فَصَارُوا مُلُوكاً حُكَّاماً وَ أَئِمَّةً أَعْلاَماً وَ قَدْ بَلَغَتِ اَلْكَرَامَةُ مِنَ اَللَّهِ لَهُمْ مَا لَمْ تَذْهَبِ اَلْآمَالُ إِلَيْهِ بِهِمْ
فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانُوا حَيْثُ كَانَتِ اَلْأَمْلاَءُ مُجْتَمِعَةً وَ اَلْأَهْوَاءُ مُؤْتَلِفَةً وَ اَلْقُلُوبُ مُعْتَدِلَةً وَ اَلْأَيْدِي مُتَرَادِفَةً وَ اَلسُّيُوفُ مُتَنَاصِرَةً وَ اَلْبَصَائِرُ نَافِذَةً وَ اَلْعَزَائِمُ وَاحِدَةً
أَ لَمْ يَكُونُوا أَرْبَاباً فِي أَقْطَارِ اَلْأَرَضِينَ وَ مُلُوكاً عَلَى رِقَابِ اَلْعَالَمِينَ
فَانْظُرُوا إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ فِي آخِرِ أُمُورِهِمْ حِينَ وَقَعَتِ اَلْفُرْقَةُ وَ تَشَتَّتَتِ اَلْأُلْفَةُ وَ اِخْتَلَفَتِ اَلْكَلِمَةُ وَ اَلْأَفْئِدَةُ وَ تَشَعَّبُوا مُخْتَلِفِينَ وَ تَفَرَّقُوا مُتَحَارِبِينَ
قَدْ خَلَعَ اَللَّهُ عَنْهُمْ لِبَاسَ كَرَامَتِهِ وَ سَلَبَهُمْ غَضَارَةَ نِعْمَتِهِ وَ بَقِيَ قَصَصُ أَخْبَارِهِمْ فِيكُمْ عِبَراً لِلْمُعْتَبِرِينَ
الاعتبار بالأمم فَاعْتَبِرُوا بِحَالِ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَ بَنِي إِسْحَاقَ وَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عليهمالسلام فَمَا أَشَدَّ اِعْتِدَالَ اَلْأَحْوَالِ وَ أَقْرَبَ اِشْتِبَاهَ اَلْأَمْثَالِ تَأَمَّلُوا أَمْرَهُمْ فِي حَالِ تَشَتُّتِهِمْ وَ تَفَرُّقِهِمْ لَيَالِيَ كَانَتِ اَلْأَكَاسِرَةُ وَ اَلْقَيَاصِرَةُ أَرْبَاباً لَهُمْ
يَحْتَازُونَهُمْ عَنْ رِيفِ اَلْآفَاقِ وَ بَحْرِ اَلْعِرَاقِ وَ خُضْرَةِ اَلدُّنْيَا إِلَى مَنَابِتِ اَلشِّيحِ وَ مَهَافِي اَلرِّيحِ وَ نَكَدِ اَلْمَعَاشِ فَتَرَكُوهُمْ عَالَةً مَسَاكِينَ إِخْوَانَ دَبَرٍ وَ وَبَرٍ أَذَلَّ اَلْأُمَمِ دَاراً وَ أَجْدَبَهُمْ قَرَاراً
لاَ يَأْوُونَ إِلَى جَنَاحِ دَعْوَةٍ يَعْتَصِمُونَ بِهَا وَ لاَ إِلَى ظِلِّ أُلْفَةٍ يَعْتَمِدُونَ عَلَى عِزِّهَا
فَالْأَحْوَالُ مُضْطَرِبَةٌ وَ اَلْأَيْدِي مُخْتَلِفَةٌ وَ اَلْكَثْرَةُ مُتَفَرِّقَةٌ فِي بَلاَءِ أَزْلٍ وَ أَطْبَاقِ جَهْلٍ مِنْ بَنَاتٍ مَوْءُودَةٍ وَ أَصْنَامٍ مَعْبُودَةٍ وَ أَرْحَامٍ مَقْطُوعَةٍ وَ غَارَاتٍ مَشْنُونَةٍ
النعمة برسول اللّه فَانْظُرُوا إِلَى مَوَاقِعِ نِعَمِ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ حِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولاً فَعَقَدَ بِمِلَّتِهِ طَاعَتَهُمْ وَ جَمَعَ عَلَى دَعْوَتِهِ أُلْفَتَهُمْ
كَيْفَ نَشَرَتِ اَلنِّعْمَةُ عَلَيْهِمْ جَنَاحَ كَرَامَتِهَا وَ أَسَالَتْ لَهُمْ جَدَاوِلَ نَعِيمِهَا وَ اِلْتَفَّتِ اَلْمِلَّةُ بِهِمْ فِي عَوَائِدِ بَرَكَتِهَا فَأَصْبَحُوا فِي نِعْمَتِهَا غَرِقِينَ وَ فِي خُضْرَةِ عَيْشِهَا فَكِهِينَ
قَدْ تَرَبَّعَتِ اَلْأُمُورُ بِهِمْ فِي ظِلِّ سُلْطَانٍ قَاهِرٍ وَ آوَتْهُمُ اَلْحَالُ إِلَى كَنَفِ عِزٍّ غَالِبٍ وَ تَعَطَّفَتِ اَلْأُمُورُ عَلَيْهِمْ فِي ذُرَى مُلْكٍ ثَابِتٍ
فَهُمْ حُكَّامٌ عَلَى اَلْعَالَمِينَ وَ مُلُوكٌ فِي أَطْرَافِ اَلْأَرَضِينَ يَمْلِكُونَ اَلْأُمُورَ عَلَى مَنْ كَانَ يَمْلِكُهَا عَلَيْهِمْ وَ يُمْضُونَ اَلْأَحْكَامَ فِيمَنْ كَانَ يُمْضِيهَا فِيهِمْ لاَ تُغْمَزُ لَهُمْ قَنَاةٌ وَ لاَ تُقْرَعُ لَهُمْ صَفَاةٌ
لوم العصاة أَلاَ وَ إِنَّكُمْ قَدْ نَفَضْتُمْ أَيْدِيَكُمْ مِنْ حَبْلِ اَلطَّاعَةِ وَ ثَلَمْتُمْ حِصْنَ اَللَّهِ اَلْمَضْرُوبَ عَلَيْكُمْ بِأَحْكَامِ اَلْجَاهِلِيَّةِ
فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدِ اِمْتَنَّ عَلَى جَمَاعَةِ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ فِيمَا عَقَدَ بَيْنَهُمْ مِنْ حَبْلِ هَذِهِ اَلْأُلْفَةِ اَلَّتِي يَنْتَقِلُونَ فِي ظِلِّهَا وَ يَأْوُونَ إِلَى كَنَفِهَا بِنِعْمَةٍ لاَ يَعْرِفُ أَحَدٌ مِنَ اَلْمَخْلُوقِينَ لَهَا قِيمَةً لِأَنَّهَا أَرْجَحُ مِنْ كُلِّ ثَمَنٍ وَ أَجَلُّ مِنْ كُلِّ خَطَرٍ
وَ اِعْلَمُوا أَنَّكُمْ صِرْتُمْ بَعْدَ اَلْهِجْرَةِ أَعْرَاباً وَ بَعْدَ اَلْمُوَالاَةِ أَحْزَاباً مَا تَتَعَلَّقُونَ مِنَ اَلْإِسْلاَمِ إِلاَّ بِاسْمِهِ وَ لاَ تَعْرِفُونَ مِنَ اَلْإِيمَانِ إِلاَّ رَسْمَهُ
تَقُولُونَ اَلنَّارَ وَ لاَ اَلْعَارَ كَأَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُكْفِئُوا اَلْإِسْلاَمَ عَلَى وَجْهِهِ اِنْتِهَاكاً لِحَرِيمِهِ وَ نَقْضاً لِمِيثَاقِهِ اَلَّذِي وَضَعَهُ اَللَّهُ لَكُمْ حَرَماً فِي أَرْضِهِ وَ أَمْناً بَيْنَ خَلْقِهِ
وَ إِنَّكُمْ إِنْ لَجَأْتُمْ إِلَى غَيْرِهِ حَارَبَكُمْ أَهْلُ اَلْكُفْرِ ثُمَّ لاَ جَبْرَائِيلُ وَ لاَ مِيكَائِيلُ وَ لاَ مُهَاجِرُونَ وَ لاَ أَنْصَارٌ يَنْصُرُونَكُمْ إِلاَّ اَلْمُقَارَعَةَ بِالسَّيْفِ حَتَّى يَحْكُمَ اَللَّهُ بَيْنَكُمْ
وَ إِنَّ عِنْدَكُمُ اَلْأَمْثَالَ مِنْ بَأْسِ اَللَّهِ وَ قَوَارِعِهِ وَ أَيَّامِهِ وَ وَقَائِعِهِ فَلاَ تَسْتَبْطِئُوا وَعِيدَهُ جَهْلاً بِأَخْذِهِ وَ تَهَاوُناً بِبَطْشِهِ وَ يَأْساً مِنْ بَأْسِهِ
فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَلْعَنِ اَلْقَرْنَ اَلْمَاضِيَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ إِلاَّ لِتَرْكِهِمُ اَلْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ اَلنَّهْيَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ فَلَعَنَ اَللَّهُ اَلسُّفَهَاءَ لِرُكُوبِ اَلْمَعَاصِي وَ اَلْحُلَمَاءَ لِتَرْكِ اَلتَّنَاهِي
أَلاَ وَ قَدْ قَطَعْتُمْ قَيْدَ اَلْإِسْلاَمِ وَ عَطَّلْتُمْ حُدُودَهُ وَ أَمَتُّمْ أَحْكَامَهُ
أَلاَ وَ قَدْ أَمَرَنِيَ اَللَّهُ بِقِتَالِ أَهْلِ اَلْبَغْيِ وَ اَلنَّكْثِ وَ اَلْفَسَادِ فِي اَلْأَرْضِ فَأَمَّا اَلنَّاكِثُونَ فَقَدْ قَاتَلْتُ وَ أَمَّا اَلْقَاسِطُونَ فَقَدْ جَاهَدْتُ وَ أَمَّا اَلْمَارِقَةُ فَقَدْ دَوَّخْتُ
وَ أَمَّا شَيْطَانُ اَلرَّدْهَةِ فَقَدْ كُفِيتُهُ بِصَعْقَةٍ سُمِعَتْ لَهَا وَجْبَةُ قَلْبِهِ وَ رَجَّةُ صَدْرِهِ وَ بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنْ أَهْلِ اَلْبَغْيِ وَ لَئِنْ أَذِنَ اَللَّهُ فِي اَلْكَرَّةِ عَلَيْهِمْ لَأُدِيلَنَّ مِنْهُمْ إِلاَّ مَا يَتَشَذَّرُ فِي أَطْرَافِ اَلْبِلاَدِ تَشَذُّراً
فضل الوحي أَنَا وَضَعْتُ فِي اَلصِّغَرِ بِكَلاَكِلِ اَلْعَرَبِ وَ كَسَرْتُ نَوَاجِمَ قُرُونِ رَبِيعَةَ وَ مُضَرَ
وَ قَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ صلىاللهعليهوآله بِالْقَرَابَةِ اَلْقَرِيبَةِ وَ اَلْمَنْزِلَةِ اَلْخَصِيصَةِ وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَ أَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِهِ وَ يَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ وَ يُمِسُّنِي جَسَدَهُ وَ يُشِمُّنِي عَرْفَهُ
وَ كَانَ يَمْضَغُ اَلشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ وَ مَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ وَ لاَ خَطْلَةً فِي فِعْلٍ
وَ لَقَدْ قَرَنَ اَللَّهُ بِهِ صلىاللهعليهوآله مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَتِهِ يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ اَلْمَكَارِمِ وَ مَحَاسِنَ أَخْلاَقِ اَلْعَالَمِ لَيْلَهُ وَ نَهَارَهُ
وَ لَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اِتِّبَاعَ اَلْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلاَقِهِ عَلَماً وَ يَأْمُرُنِي بِالاِقْتِدَاءِ بِهِ
وَ لَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ وَ لاَ يَرَاهُ غَيْرِي وَ لَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي اَلْإِسْلاَمِ غَيْرَ رَسُولِ اَللَّهِ صلىاللهعليهوآله وَ خَدِيجَةَ وَ أَنَا ثَالِثُهُمَا أَرَى نُورَ اَلْوَحْيِ وَ اَلرِّسَالَةِ وَ أَشُمُّ رِيحَ اَلنُّبُوَّةِ
وَ لَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ اَلشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ اَلْوَحْيُ عَلَيْهِ صلىاللهعليهوآله فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَا هَذِهِ اَلرَّنَّةُ فَقَالَ هَذَا اَلشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ
إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَ تَرَى مَا أَرَى إِلاَّ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ وَ لَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وَ إِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ وَ لَقَدْ كُنْتُ مَعَهُ صلىاللهعليهوآله لَمَّا أَتَاهُ اَلْمَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالُوا لَهُ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ قَدِ اِدَّعَيْتَ عَظِيماً لَمْ يَدَّعِهِ آبَاؤُكَ وَ لاَ أَحَدٌ مِنْ بَيْتِكَ
وَ نَحْنُ نَسْأَلُكَ أَمْراً إِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنَا إِلَيْهِ وَ أَرَيْتَنَاهُ عَلِمْنَا أَنَّكَ نَبِيٌّ وَ رَسُولٌ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ عَلِمْنَا أَنَّكَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ
فَقَالَ صلىاللهعليهوآله وَ مَا تَسْأَلُونَ قَالُوا تَدْعُو لَنَا هَذِهِ اَلشَّجَرَةَ حَتَّى تَنْقَلِعَ بِعُرُوقِهَا وَ تَقِفَ بَيْنَ يَدَيْكَ فَقَالَ صلىاللهعليهوآله إِنَّ اَللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فَإِنْ فَعَلَ اَللَّهُ لَكُمْ ذَلِكَ أَ تُؤْمِنُونَ وَ تَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ قَالُوا نَعَمْ
قَالَ فَإِنِّي سَأُرِيكُمْ مَا تَطْلُبُونَ وَ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكُمْ لاَ تَفِيئُونَ إِلَى خَيْرٍ وَ إِنَّ فِيكُمْ مَنْ يُطْرَحُ فِي اَلْقَلِيبِ وَ مَنْ يُحَزِّبُ اَلْأَحْزَابَ
ثُمَّ قَالَ صلىاللهعليهوآله يَا أَيَّتُهَا اَلشَّجَرَةُ إِنْ كُنْتِ تُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ تَعْلَمِينَ أَنِّي رَسُولُ اَللَّهِ فَانْقَلِعِي بِعُرُوقِكِ حَتَّى تَقِفِي بَيْنَ يَدَيَّ بِإِذْنِ اَللَّهِ
فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لاَنْقَلَعَتْ بِعُرُوقِهَا وَ جَاءَتْ وَ لَهَا دَوِيٌّ شَدِيدٌ وَ قَصْفٌ كَقَصْفِ أَجْنِحَةِ اَلطَّيْرِ حَتَّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اَللَّهِ صلىاللهعليهوآله مُرَفْرِفَةً
وَ أَلْقَتْ بِغُصْنِهَا اَلْأَعْلَى عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ صلىاللهعليهوآله وَ بِبَعْضِ أَغْصَانِهَا عَلَى مَنْكِبِي وَ كُنْتُ عَنْ يَمِينِهِ صلىاللهعليهوآله
فَلَمَّا نَظَرَ اَلْقَوْمُ إِلَى ذَلِكَ قَالُوا عُلُوّاً وَ اِسْتِكْبَاراً فَمُرْهَا فَلْيَأْتِكَ نِصْفُهَا وَ يَبْقَى نِصْفُهَا فَأَمَرَهَا بِذَلِكَ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ نِصْفُهَا كَأَعْجَبِ إِقْبَالٍ وَ أَشَدِّهِ دَوِيّاً فَكَادَتْ تَلْتَفُّ بِرَسُولِ اَللَّهِ صلىاللهعليهوآله
فَقَالُوا كُفْراً وَ عُتُوّاً فَمُرْ هَذَا اَلنِّصْفَ فَلْيَرْجِعْ إِلَى نِصْفِهِ كَمَا كَانَ فَأَمَرَهُ صلىاللهعليهوآله فَرَجَعَ
فَقُلْتُ أَنَا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ إِنِّي أَوَّلُ مُؤْمِنٍ بِكَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ وَ أَوَّلُ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ اَلشَّجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأَمْرِ اَللَّهِ تَعَالَى تَصْدِيقاً بِنُبُوَّتِكَ وَ إِجْلاَلاً لِكَلِمَتِكَ
فَقَالَ اَلْقَوْمُ كُلُّهُمْ بَلْ سٰاحِرٌ كَذّٰابٌ عَجِيبُ اَلسِّحْرِ خَفِيفٌ فِيهِ وَ هَلْ يُصَدِّقُكَ فِي أَمْرِكَ إِلاَّ مِثْلُ هَذَا يَعْنُونَنِي
وَ إِنِّي لَمِنْ قَوْمٍ لاَ تَأْخُذُهُمْ فِي اَللَّهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ سِيمَاهُمْ سِيمَا اَلصِّدِّيقِينَ وَ كَلاَمُهُمْ كَلاَمُ اَلْأَبْرَارِ عُمَّارُ اَللَّيْلِ وَ مَنَارُ اَلنَّهَارِ مُتَمَسِّكُونَ بِحَبْلِ اَلْقُرْآنِ يُحْيُونَ سُنَنَ اَللَّهِ وَ سُنَنَ رَسُولِهِ
لاَ يَسْتَكْبِرُونَ وَ لاَ يَعْلُونَ وَ لاَ يَغُلُّونَ وَ لاَ يُفْسِدُونَ قُلُوبُهُمْ فِي اَلْجِنَانِ وَ أَجْسَادُهُمْ فِي اَلْعَمَلِ